من كل النخبة السياسية اليمنية التي عاشت قبل 2014، فقط من يموت في الداخل اليمني، مقاوماً الإمامة من أجل الشعب وليس فقط من أجل نفسه؛ ستحظى جنازته بالتقدير اللائق، وسيمطره اليمنيون بالمراثي اللائقة. الباقون سيشيعون إلى المقابر بالسياط. سيقال فيهم كل السوء ولن يكون بالوسع الدفاع عنهم بحال.
تاريخ الشعب تصنعه نخبته، السياسية على وجه الخصوص، وحين تحدث الانهيارات الكبرى فهي غالباً بفعل رداءة الرؤى والأفكار النخبوية التي يولد من رحمها تاريخ الشعب.
وفي حالتنا اليمنية فلا شيء أوضح من أن الإمامة ما كانت لتنجح في عودتها السريعة، وبتلك الطريقة السهلة حد الخزي، لولا الخدمات التمهيدية والمتراكمة التي قدمتها لها النخبة السياسية، بمختلف توجهاتها، بوعي أو بدونه..
ذلك الانهيار السريع للمؤسسات، وذلك السقوط السهل بين براثن الإمامة، حاصر النخبة السياسية اليمنية بين حكمين: الخيانة أو الغباء، وكلاهما في الحقيقة حكم واحد، فخيانة النخبة غباء، وغباؤها خيانة أيضاً.
كل الرموز السياسية والاجتماعية اليمنية التي عاشت في العقود الجمهورية الخمسة، والتي اكتفت بعدها بالرحيل عن الوطن أو بالغياب عن المشهد المقاوم في الداخل، لن يثير موتها سوى مشاعر السخط العارم، وستلقى جلداً أكثر ربما من الجلد الذي ستناله رموز الإمامة.
إن تركيبتنا النفسية تستبشع الخذلان أكثر مما تستبشع الهزيمة، وكلّما رفعت الهزيمة كلفتها ومدت جذورها زاد جرح الخيانة والخذلان انفتاحاً، وزاد بالقدر نفسه السخط على النخبة التي فرّطت..
لقد خانتنا النخبة السياسية فصارت كل رموزها مدانة بهذا الخذلان الكبير، وأضحى موت الرمز محفزاً للانهيال عليه.
اقراء أيضاً
خنجر قحطان
الاعتياد، كارثيّته وجماليّته
الطريق إلى الانفصال