دأبت مليشيا الحوثي منذ سيطرتها على مؤسسات الدولة في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ ، على تمرير خططها وإجراءاتها المدمرة للاقتصاد الوطني، ومؤسساته المالية، تحت يافطة من المسميات، التي توحي في ظاهرها بحرصها على المصلحة العليا للمواطنين وإيجاد الحلول للمعضلات والأزمات في الجوانب المعيشية والخدمية، التي كسبتها بأيديها، وهي بهذه التبريرات الساذجة تمارس نوعاً من التذاكي والاستعلاء، على الشعب، إذ تصور كل سياسات الإفقار والتجويع وتدمير الأصول على أنها خططا للإصلاح، وحلول للمشكلات الحياتية والمعيشية.
وليس بمستغرب أن تمرر خطوتها الأخيرة في صك عملة معدنية بفئة مائة ريال، تحت مسمى معالجة مشكلة شحة السيولة، ومعالجة التالف من العملة الورقية القديمة، في حين أنها حقيقة تشكل خطوة تصعيدية ومغامرة غير محسوبة العواقب، حيث سبق للبنك المركزي اليمني في عدن ، التحذير من هذه المغامرة الخطيرة .
واعتبر البنك المركزي أن أي صك أو طباعة للعملة من قبل مليشيا الحوثي، يعد تزويراً واضحا للعملة، محذراً من القطاع المصرفي والتجار والمواطنين من خطورة التعامل مع هذه العملات المزورة، وحلها محل العملة القانونية.
ومن سخرية الأقدار أن الأهداف المعلنة لمركزي صنعاء، من عملية صك عملة معدنية، في متناول يده منذ سنوات عديدة، وبطرق قانونية، وإجراءات اقتصادية سليمة، عبر السماح بدخول الفئات الورقية من فئات مائة ريال ، ومائتي ريال، والتي تتواجد بكميات كبيرة لدى البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، عوضاً عن هذه المجازفة في انتحال صفة بنك الدولة، وممارسة المهام والأدوار المنوطة به، في خطوة لن يقف بالتأكيد البنك المركزي اليمني في عدن حيالها مكتوف الأيدي، وسيكون هناك الكثير من التداعيات والآثار التي ستطال القطاع المصرفي.
تزعم مليشيا الحوثي أن هذه الخطوة تعالج أزمة السيولة التي تعاني منها بشكل حاد، والعملة التالفة التي تقدر بنحو خمسمائة مليار ريال، بيد أنها وفقاً للعرف والمنطق الاقتصادي، تعد خطوة عدمية وغير ذات قيمة ولا يمكن أن تحل أزمات القطاع المصرفي المتفاقمة في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي.
علاوة على أن هذا الإجراء يُمثل أيضا مغامرة خطيرة، وتحد للمجتمع الدولي والبنك المركزي اليمني في عدن، والمؤسسات المالية الدولية، على اعتبار أن مركزي صنعاء كيان غير شرعي وغير معترف به دولياً، وكل ممارساته في السياسة النقدية ، تزيد الطين بلة، وتعمق أزمة القطاع المصرفي ، الذي يعاني من اختلالات عميقة جراء السياسات الحوثية المدمرة بحق هذا القطاع منذ تسعة أعوام.
تحاول مليشيا الحوثي التغاضي عن أزماتها العميقة، التي تسببت بها وتقول إن هذه الخطوة، لمعالجة أزمات السيولة، في حين أن كل البديهيات تُكذب هذه المزاعم، على اعتبار أن الميلشيا رفضت العملة القانونية من فئة مائة ريال ومائتي ريال، التي بحوزة البنك المركزي اليمني في عدن، وفرضت حظراً كلياً على تداولها في مناطق سيطرتها، الأمر الذي يكشف بجلاء عن أهداف ومرامي الميلشيا في تكريس الانفصال الاقتصادي، ورفض أي خطوات للتقارب مع مركزي عدن، لإنهاء معاناة المواطنين.
خلاصة القول، تشكل هذه الخطوة ضربة لكافة الجهود والمحاولات الدولية الساعية لإيجاد الحلول والتقارب وتنسيق السياسة النقدية، لتوحيد العملة الوطنية، وإنهاء المشكلات والمعضلات المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، علاوة على أنها لها تأثيرات كارثية على الاقتصاد الوطني، وعلى قيمة العملة الوطنية، لا سيما في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي بقوة السلاح.
اقراء أيضاً
اختلال قطاع الطاقة.. إصرار حكومي على الفساد
الحوالات المعلقة
لُغز الوديعة