لماذا تأخر الإعلان عن وصول الوديعة السعودية الإماراتية المعلن عنها سابقا إلى حسابات البنك المركزي، وماهي أسباب ذلك؟ وهل هناك مطالب وشروط أعاقت سرعة تحويلها إلى البنك المركزي، وماهية هذه الشروط؟
لا شك أن هذه الأسئلة تردد صداها لدى الشارع اليمني، بشكل واسع، خلال الفترات الماضية، ومنذ الإعلان عنها إبان تشكيل المجلس الرئاسي في السابع من أبريل من العام الجاري، سيما أن الحكومة عولت عليها بشكل كبير للإسهام بتحقيق الاستقرار الاقتصادي، والثبات في قيمة العملة الوطنية، وحمايتها من التذبذب والاضطراب التي ظلت تعاني منه، على مدى الأعوام الأخيرة من الحرب.
على مدى الشهور الماضية، ظلت الوديعة المالية، تستخدم كحصان طروادة، من قبل المضاربين وهوامير الصرف، في البلاد، والنافذين الذين نمت أرصدتهم وتوسعت شبكاتهم المالية، خلال الحرب، حيث يتم تكثيف الشائعات ما بين الحين والآخر، بُغية تحقيق أهداف خاصة، وأجندة ذاتية، لمن باتوا يتحكمون بزمام أسواق الصرف في البلاد، سواء، لتحقيق الربح السريع، أو إثارة الهلع لدفع المواطنين بيع مدخراتهم وسحبها من السوق بسعر أقل، ثم يلجؤون إلى تسخين السوق مجدداً ورفع أسعار الصرف، حينما يتحقق لهم الهدف في سحب السيولة الأجنبية من المواطنين، وصغار التجار والصرافين.
مؤخراً وفي ظل تعاظم التحديات الاقتصادية، وحدوث متغيرات تٌشكل مخاطر حقيقية على الموارد العامة للحكومة، خصوصا إيرادات النقد الأجنبي، وتوقف الصادرات النفطية، مع الهجمات الحوثية التي استهدفت بعض موانئ ومنشآت تصدير النفط الخام، مثل ميناء الضبة النفطي، في مدينة الشحر بحضرموت، رمى رئيس الوزراء معين عبدالملك حجراً في مياه راكدة، مستدعياً التذكير بالوديعة السعودية والإماراتية، عبر تصريحه خلال مؤتمر صحفي في العاصمة المؤقتة عدن، بوصول دفعة من الوديعة المتعهد بها من قبل الجانب الإماراتي، بقيمة مليار ومائة مليون درهم إماراتي، إلى حسابات البنك المركزي اليمني.
لا شك أن هذا الحديث، يُفهم بأنه محاولة لتذكير الأشقاء بتعهداتهم المالية، تجاه البلد الجار والفقير والذي أنهكته الحرب من ثمانية أعوام، وأضرت بقطاعاته الاقتصادية والإنتاجية، في حين يراه البعض تأكيد رسمي وحقيقي، من أعلى سلطة تنفيذية على رأس الحكومة، بجدية الدعم السعودي والإماراتي، والرغبة في تجاوز اليمن محنته الحالية في الجانب الاقتصادي والمعيشي، لكن ما حصل عقب ذلك عبارة عن نزول ملحوظ في سعر العملات الأجنبية، ثم ما لبثت بعد ساعات قليلة من ذلك في الصعود مجدداً.
وذلك الأمر، مرده، إلى اقتصار ما حدث على عوامل نفسيه وإعلامية، وعدم الشعور بتأثيره على الواقع، من خلال إحداث التوازن بين العرض والطلب في سوق العملات الأجنبية، وتجفيف منابع استنزاف الطلب، فضلا عن وجود تباينات في التصريحات بين بعض المسؤولين في الحكومة والبنك المركزي.
نعود إلى موضعنا الأصلي، عن لُغز الوديعة المالية، وتأخر وصولها إلى الان، خصوصا وأن اليمن في أمسّ الحاجة إليها بالوقت الراهن، لتحقيق الاستقرار في قيمة العملة الوطنية، واستعادة القدرة الشرائية للمواطنين، وكبح جماح التضخم، الذي بات ماضياً في طريقة، نحو القضاء على المدخرات، والتأثير سلباُ على النشاط التجاري والمالي.
فبين من يرى أن ذلك يعود إلى وجود جملة من الشروط، لإصلاح المالية العامة للدولة، وتنمية الموارد، وتحقيق الاستدامة في إيرادات البنك المركزي اليمني والخزينة العامة للدولة، ومكافحة الفساد، والقضاء على تشتت الموارد، إلا أن هناك من يعتقد وجود عوامل أخرى تقف وراء عدم حصول اليمن، على وديعته المالية، ولا يٌستبعد أن تكون مرتبطة بالملف السياسي والأمني في البلاد، وحدوث بعض الاختراقات، في العلاقة بين المكونات السياسية اليمنية.
سبق للحكومة اليمنية، أن أعلنت منتصف يوليو الماضي، استيفاء كافة المتطلبات لاستيعاب الوديعة المالية، بناءً على ما قامت به من إصلاحات مؤسسية بهدف العمل بمبادئ الشفافية والحوكمة الرشيدة في كافة العمليات المصرفية، لكن منذ ذلك الحين ماتزال وتيرة الدعم المالي متباطئة كالعادة، وهو ما يُرجح الرأي الاخر، حول تأخر الوديعة المالية، وهو ارتباط هذا الدعم بملفات سياسية وأمنية في البلاد، كون الوضع الاقتصادي لم يعد خافياً على أحد، من انقسام وتدهور في كافة قطاعاته الإنتاجية، وتضخم مستمر، مقابل تراجع في القدرة الشرائية للمواطنين، وانخفاض حجم المساعدات الإنسانية من قبل المنظمات الدولية، ومع هذا ما يزال الغموض سيد الموقف، حول ضعف الدعم الدولي والإقليمي.
اقراء أيضاً
مغامرة حوثية نحو الانفصال الاقتصادي
اختلال قطاع الطاقة.. إصرار حكومي على الفساد
الحوالات المعلقة