في اللحظة التي ظن الحوثي فيها أنه امتلك اليمن، أو على الأقل جزأها الواقع تحت سيطرته، وهو عائد من مفاوضات طازجة سوّق نفسه فيها بأنه الرابح- وقف اليمنيون أمامه وقفتهم العنيدة ليخبروه كم هو واهم. الجهد الطويل الذي استغرقه في لطخ صنعاء بلونه الأخضر، قوّضه اليمنيون بتدفقهم الغزير إلى الشوارع والميادين، حاملين الألوان الثلاثة الخالدة، الأحمر والأبيض والأسود، الرمزية الأكثر تكثيفاً للصراع التاريخي الطويل بين شعب نابت من رحم الأرض وسلالة طارئة مدججة بالخرافة والحقد.
هذا الخروج الشعبي الوافر والمتحدي، يفصح أولاً عن حقيقة مصير هذه الانتفاشة الإمامية التي دامت تسع سنوات، بأنها ستسحق حتماً تحت أقدام اليمنيين، أبناء الجمهورية. كما يعطي بالقدر ذاته درساً واضحاً للنخب، بمستوييها الثقافي والسياسي، النخب التي لم تكف تتعذر، لتبرير خيبتها، بما تسميه سطحية الوعي الشعبي. ها هو الشعب يلقمها حجراً: لا، لم يكن الخلل أبداً هو ضمور الوعي الشعبي وإنما فساد النخبة وعجزها.
لقد ظل كثير من المثقفين والسياسيين يقيّم وعي اليمنيين بالجمهورية انطلاقاً من مقولات ما قبل سبتمبر، أو على الأفضل من حقائق السنوات الأولى من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، متجاوزاً هكذا بصفاقة تراكمات الوعي على مدى عقود الجمهورية! قليلون فقط أمكنهم، منذ بداية العودة الإمامية في ٢٠١٤، التقاط الشواهد الواضحة على توغل معنى الجمهورية في وجدان اليمنيين، وكيف أن الجمهورية أضحت جزءاً من كيمياء الدم اليمني، مضمّنة في الشفرة الجينية القحطانية.
إن تاريخ جمهوريتنا الذي أخبرنا مثلاً بأن قبيلة أرحب كانت أكثر القبائل إسناداً للإمامة في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، هو نفسه يخبرنا كيف أن هذه القبيلة كانت هي أكثر القبائل صلابة في دفاعها عن الجمهورية حين عادت الإمامة من جديد في 2014. تماماً كما أن القبائل التي كمنت لـ"علي عبدالمغني"، بطل سبتمبر، لتقتله بعد أيام فقط من انطلاق الثورة، هي نفسها التي وقفت سداً منيعاً أمام سيل الإمامة الدّنس، تصدّه باستبسال أسطوري عن ضريح البطل الخالد.
أما اليوم، فها هو الشعب اليمني يخرج بأكمله، في كامل الجغرافيا، يخرج رغم الوعيد الإمامي وبؤس الإمكانات المادية، ليقول كلمته السبتمبرية الجمهورية، يقولها بفصاحة الزبيري وبطولة عبدالمغني، وبسيل من الأعلام الجمهورية. وفي وجه السيل الجمهوري، لن يصمد زَبَد الإمامة.
اقراء أيضاً
خنجر قحطان
الاعتياد، كارثيّته وجماليّته
الطريق إلى الانفصال