في مثل هذه الأمسية، كانت جحافل الإمامة تطوّق صنعاء، مدججة بالسلاح ورافعة لافتة من ثلاثة مطالب: إسقاط الجرعة "الظالمة"، إسقاط الحكومة "الفاسدة"، تطبيق مخرجات "الحوار الوطني".
وفي الغد، اقتحمت صنعاء بالقوة وبتواطؤ خصوم ثورة فبراير، وباستسلام سلبي بشع للمؤسسة العسكرية التي سرعان ما غدت هي أيضاً جزءاً من المليشيا. وابتداء من ذلك التاريخ ستتمثل المليشيا مطالبها المدّعاة الثلاثة بتصعيد إعجازي.
بدلاً من إسقاط الجرعة الظالمة، ستنهب كل موارد البلاد وتحذف بند الرواتب كلياً ونهائياً، وبدلاً من الحكومة "الفاسدة" برأيها، ستجسد هي أحد أكبر أدوار الفساد في التاريخ، وستصير مسيرتها هي التقويض الكامل لكل مخرجات الحوار الوطني.
زيادة على ذلك، وإمعاناً في اللامعقول، الذي هو أبرز تجليات الإمامة طوال تاريخها، ستصفي كل من ساعدها على تحقيق مكاسبها هذه، كل من أناخ لها ظهره وحملها لتعتلي ظهر البلاد.
هذا اليوم التاريخي الكئيب، هو أحد أيام أيلول، الشهر نفسه الذي ضم أهم وأجمل يوم في التاريخ اليمني المعاصر، يوم السادس والعشرين في العام ٦٢.
يا لأيلول من حمّال للمتناقضات!. يا له من شهر يصر أن يكون حاملاً لأهم تواريخ الجمهورية والإمامة معاً!. وها هو اليوم أيضاً يحتوي المحادثات الأهم في تاريخ معركتنا الممتدة منذ تسع سنوات.
أيلول، الشهر الذي صيغت فيه الأهداف الستة لثورة الشعب الخالدة، هو نفسه الذي دخلت فيه الإمامة صنعاء من جديد بذريعة ثلاثة مطالب مخادعة.
فأي الأيلولين هو الذي سينتصر في النهاية: أيلول الجمهورية أم أيلول الإمامة؟!
أم أن علينا أن نتجاوز غنائيتنا تجاه الزمن وأن نأخذه على ما هو عليه حقيقة: أنه، فقط، الوعاء الذي يجري فيه التاريخ؟
ومثل أي وعاء، بالوسع ملؤه بأنفس الجواهر مثلاً أو، على النقيض من ذلك، بالقذارات، أو تركه على حاله فارغاً. وأن نقول أخيراً: إنما تتمجد الأفعال العظيمة المستحقة، أما الزمن في ذاته فهو محايد تماماً.
اقراء أيضاً
خنجر قحطان
الاعتياد، كارثيّته وجماليّته
الطريق إلى الانفصال