يعمل في المدينة بالأجر اليومي، قرر الذهاب إلى القرية الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي. منذ سنتين وبضعة أشهر وهو يخطط لهذه الزيارة للبر بوالديه الكبيرين في السن، وحين وصل لم يبق معهما سوى ساعات.
ما الذي يجعلك متشوقاً لمكان أو لقريب، وما إن تصله حتى تشد الرحيل آيباً، قبل أن تتخلص من غبار الطريق ويذهب عنك عناء الرحلة؟ ما الذي يجعلك تعود بسرعة؟.
لا علاقة للشخص الذي أتحدث عنه بالجيش أو الأمن، ولا يتحدث في السياسة، ولا يملك صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي. مجرد شاقي/ يعمل بالأجر اليومي، والده ووالدته في القرية التي تبعد عن المدينة قرابة 25 كيلو فقط، احتاج لأكثر من سنتين كي يقطع هذه المسافة، ليس بسبب وضعه المادي، ولكن بسبب قطع طرقات تعز من قبل الحوثيين، لقد باعد ذلك بين القريب وقريبه، والمريض ومركز دواه. المسافة التي كنت تقطعها بدقائق تحتاج لساعات طوال وترتيب أدعية للخروج من نقاط المليشيا دون أن تجد نفسك مختطفاً.
هذه الزيارة لم تدم غير ساعات، تحدثت مع العامل عن السبب، ولو كان كاتباً لكانت إجابته مرتبة على هذا النحو:
«أحوال الناس صعبة.. أعداد الناس في القرية قل.. ترى القلق في كل عين.. العملة رثة، وعلى رثاثتها لا تتوفر في الجيوب.. سمعت بعضهم يؤكدون أنهم يظلون أشهراً يمنون أعينهم برؤية ألف ريال وإمساكه، سمعت هذا من أبي وأخي، صار الكبير مساوٍ للصغير إذا أتى ضيف ينتظرون أن يمد لهم بخمسمائة أو مائتين. إذا كنت قد سمعت بقصة الأجنبي/ة في زمن الإمام، الذي استغرب من أحوال الناس، وسألهم كيف يعيشون؟ فقالوا: على الله، فإن التفاصيل نفسها تتكرر الآن في زمن الحوثي، على مقربة من المدينة تستغرب كيف يعيش الناس، ولكنهم يقولون: الله كريم.
لا يوجد أعمال هناك، وإن وُجدت ففرصتك منعدمة، كيس الاسمنت كان قد ارتفع سعره عالياً وانخفض إلى أربعة آلاف ريال تقريباً، وهو أرخص من سعره في مناطق الشرعية، بالنظر إلى السعر من ناحية العملتين: القديمة والجديدة، ومع ذلك حركة العمران شبه متوقفة في مناطق الحوثي».
أقول في نفسي، هذا الوضع في تعز، والموظفون في الجزء الذي تسيطر عليه جماعة الحوثي من المحافظة يستلمون رواتبهم من الحكومة الشرعية، ما يتيح لهم بعض الحركة. صحيح أن الرواتب تصل ضئيلة بسبب انقسام العملة ـ على سبيل المثال المعلم الذي يصل راتبه إلى 110 آلاف، يستلمه في مناطق الحوثيين 35 ألف ريال. كيف سيكون وضع اليمنيين في المحافظات الأخرى التي يسيطر عليها الحوثيون؟.
«الغرباء ينتشرون في الطرقات، في أسواق البلاد، تتجول سياراتهم ومسلحيهم، تشعر وكأن الجميع يترصدك، الإحساس بالأمان منعدم، تشعر بأن الناس يريدون أن يقفزوا إليك، أبناء البلاد ضامرون، منهكون، شعرت كأني عدت من الخليج لا خرجت من المدينة المحاصرة، تمددت في منزلنا لأشحن من دفء العائلة بقرب أبي وأمي، لم أستطع إغماض عيني من القلق، طلب مني أبي وأمي أن أغادر، نهضت لأعود، أقسم لك أني كنت أتوقع أن يقبض عليّ الحوثيون بأي مكان، أن يقتلوني بأي نقطة، وكلما أوقف المسلحون السيارة، انزلق قلبي إلى الركبتين. كنت متوتراً، بمجرد أن وصلت لأول نقطة يرفرف فيها العلم اليمني، تنهدت من قلبي، وضحكت، وبدأت أتحدث مع الناس، هل فهمت الآن لماذا عدت بسرعة».
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس