بفاصل زمني لا يتعدى ثلاثة أسابيع، شهد الفضاء العام اليمني فعاليتين احتفائيتين، الأولى بذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، والثانية بذكرى تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح، ورغم انغماس النخبة القيادية للحزبين الكبيرين في مظاهر الاحتفاء فإن عدداً من الناشطين والمشتغلين في الشأن العام، بعضهم من داخل الأطر التنظيمية للحزبين وبعضهم من خارجها، وجميعهم من فئة الشباب، مضوا، عوض الاحتفاء، يتساءلون عن الجدوى. بعضهم يتساءل عن جدوى الاحتفاء، وبعضهم الآخر عن جدوى الأحزاب السياسية أساساً، الأمر الذي لا بد وأن يدفع المرء للتساؤل: كيف لشاب يحارب الفكر الإمامي أن يتساءل في مناسبات كهذه عن جدوى الأحزاب؟! وكيف إذا كان هذا الشاب هو فوق ذلك منتمياً إلى أحد هذين الحزبين؟!
على أن هذا التناقض الظاهر سرعان ما يزول ما أن يضع المرء نفسه ضمن الفئة العمرية لهذا الجيل الشاب وينظر إلى الأحداث بأعينهم. فالحديث هنا عن جيل اكتسب وعيه في سنوات العودة الإمامية لا في زمن الجمهورية، جيل لم تتسنَّ له فرصة المشاركة في أي فعالية سياسية حقيقية ولم يُجرِ اقتراعاً قط، جيل وجد نفسه، بغتة، يدفع أثمان أخطاء جيلين سابقين، أخطاء لم يسهم فيها أي إسهام.
إن هذا الجيل الشاب لم يعرف الجمهورية كتجربة قائمة، وإن كان يرفعها الآن فإنما كمعنى مجرّد وكلافتة يُجري تحتها نضاله للإفلات من بين براثن الإمامة التي لم تكف، منذ عودتها في العام ٢٠١٤، تغمره بمفاعيلها الجهنمية الساحقة، دون أن تتيح له من الوقت ومن صفاء الذهن ما يكفي للتمعن في لافتته النضالية لإدراك روافعها وآلياتها. فهو لا يفهم الجمهورية ولا يحسها كمكسب سبق وأن تحقق ثم فُقد ويتطلب الآن استعادته، وإنما كحلم يسعى إلى تحقيقه للمرّة الأولى، حلم يضفي عليه بؤس الواقع هالة من المثالية تنأى به عن أي مكون ينتمي إلى حقبة ما قبل ٢٠١٤، الحقبة التي ستظل في وعي هذا الجيل مدانة بكل مكوناتها التي فشلت، مجتمعة وفرادى، في منع عودة الإمامة.
وإذا كان الكثير من هؤلاء الشباب يتساءلون عن الجدوى من داخل أحزابهم نفسها، فتفسير ذلك أن هؤلاء قد وجدوا أنفسهم منتمين بفعل مواضعات وأسباب من خارج حقل السياسة، هكذا كنوع من الاحتياج إلى مكونات تنطوي على إمكانية تنظيم نضالهم المسلّح ضد جيش الإمامة المنظّم. أمّا وقد أخذت هذه الأحزاب تتحدث اليوم وتتصرف كما لو أنها تعيش عرساً ديموقراطياً، فإن هذا الجيل، وهو الخبير بواقعه المحكوم بالإمامة والمليشيات، يبدو عاجزاً عن فهم جدوى أي ممارسة لا تأتي في السياق المباشر للتجييش المسلّح ضد الإمامة.
ربما لو أن الحزبين شرعا في تطبيق ممارسات ديموقراطية داخلية حقيقية، لما تساءل هذا العدد من شبابهما عن الجدوى، ولبدا الأمر مفهوماً لديهم ولفرحوا به حتى، إذ كانت ستبدو لهم ممارسات منطقية بالنظر إلى اشتغالها في الحيز الممكن، وكانوا سيستقبلونها على أنها صحوة متأخرة وضرورية من قيادتيهم لنفي الملمح القَبَلي المسيطر على الحزبين المثقلين بقيادة تاريخية متكلسة ما زالت تبدي الحزبين كما لو كانا إقطاعَين وإرثين عائليين.
أقول ربما، فالأمر ليس سوى محاولة لتفسير الحالة، وحيث أنني وصلت إلى خاتمة المقال، فأظن الوقت قد حان لأتساءل عمّا إذا كان عليّ التنويه إلى أنني لا أقر هنا بصوابية هذا المنحى الذهني لهؤلاء الشباب في تعاطيهم البارد والمتسائل مع فعاليّتَي حزبَيهم، فالحق أنني أجد في هذا المنحى، على ما فيه من صواب، حديّة ومثاليّة لا تحتملهما تعقيدات الواقع، منحى ينطوي على ضعف تبصّر تفاقمه الحماسة، لكن، وهنا السؤال للنخبة القيادية الكهلة للحزبين: أليست هذه هي ميزات الشباب كمرحلة عمرية؟! وألا يدعوكم هذا إلى إجراء إصلاحات حقيقية ترقى بحزبيكم إلى الصيغة التي تقنع شبابهما بالجدوى والجدارة؟!
اقراء أيضاً
خنجر قحطان
الاعتياد، كارثيّته وجماليّته
الطريق إلى الانفصال