يأتي الشعار الدعائي ليثبت صاحبه ـ كان شخصاً أو مؤسسةـ في ذهن الجمهور، أو لتسويق سلعة ما، أو لإظهار التفوق على المنافسين، أو ذلك كله؛ وليَخلُق أثراً، لابد أن يكون مدروساً وسهل التذكر.
حملة الدعاية الانتخابية تشبه حملة الإعلانات، لا بد من صياغة شعار من كلمات بسيطة تحمل الهدف من الحملة وبنفس الوقت يدوم في الذاكرة.
في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها بلادنا سنة 2006، كان أحد أذكى الشعارات، شعار مرشح المعارضة الراحل فيصل بن شملان: «رئيس من أجل اليمن، لا يمن من أجل الرئيس».
من خلال التلاعب بالكلمات بُني الشعار المعكوس، ليبدو كروسم سهل الحفظ. «العكس» هو خداع معياري نمطي للافتتاحيات كما يقول ملفن هيلترز في تشريحه للكتابة الكوميدية، إضافة «لا يمن» تحول وجهة نظر الجمهور عن الشطر الأول، لكن المفاجأة تأتي بعدها: «من أجل الرئيس».
كلمات الشطر الأول من الشعار هي نفس كلمات الشطر الثاني بعد التلاعب بمواقعها، ما جعل الشعار سهلاً، وأشار إلى أن المرشح المنافس يستخدم البلاد من أجل مجده.
لتحقيق النجاح على المرشح المنافس، لابد أن يكون خطابات المرشح مدروسة ومصاغة من فريق يختاره المرشح، بالإضافة إلى اصطياد هفوات المنافس والرد عليها في التجمعات الانتخابية أو من خلال مقابلات وسائل الإعلام، لكن الدعاية الانتخابية في بلادنا لم تسر وفق التقاليد الانتخابية في العالم، وإلا فهي مليئة بالثغرات التي يمكن استغلالها للتأثير الدعائي، حتى أن الرئيس علي صالح وضمن الدعاية الانتخابية لجأ إلى صورة لمرشح المعارضة ليلة الانتخابات، ورفعها في مؤتمر صحفي مؤكداً "إلقاء القبض على الإرهابي الواقف خلف مرشح المشترك".
سنة 1956، في الانتخابات الرئاسية الامريكية، كان المرشح الديموقراطي أدلاي سيتفنسون يواجه إيزنهاور الذي شن مع الجمهوريين هجومًا شرساً على ستيفنسون واتهموه بالمثلية(!)ولفقوا عليه الأكاذيب، حسب ما يرويه هيلترز، فكان على ستيفنسون تفنيد التهم بطريقة تجعله لا تؤدي إلى ذيوع الشائعات أكثر وتؤثر على الناخبين، بدأ الديموقراطيون بتجربة استخدام الإضحاك من خلال جملة في إحدى الخطب لجعل ايزنهاور وأنصاره يتوقفون عن الكذب، إلى أن عثروا إلى مطابق متزاوج نجح نجاحا باهراً، حيث قال سيتفنسون:
«لقد تحالفت مع الرئيس إيزنهاور، سيتوقف عن الكذب عليّ، أما أنا فسوف أكف عن قول الحق عنه».
لا شك أن التطور التكنولوجي وظهور مواقع التواصل الاجتماعي، تسهم في تنفيذ الحملات الدعائية وانتشارها ووصولها إلى الجمهور، وأن أي هفوة يمكن للمنافس أن يستغلها والرد عليها، وبالتالي الحصول على قدر كبير من التأثير على الجمهور كما يحدث الآن في الانتخابات التركية، كل مرشح يستغل دعاية الآخر وخطاباته والبناء عليها.
الاهتمام بالحملات الانتخابية والتخطيط لها وإعداد الخطابات والشعارات، أعادتني لآخر انتخابات نيابية جرت في بلادنا، وجعلتني أتساءل: كيف استطاع مرشحون أن يفوزوا بمقاعد برلمانية وهم أميون أو لا يمتلكون من طلاقة اللسان ما يجعلهم يلقون خطبة أمام الجمهور؟ كيف أقنع الشيخ الراعي مثلاً الناخبين أنه أفضل لهم وانسب من منافسه؟ وكيف فعل الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر؟.
ستقولون أن هؤلاء مشايخ فازوا بفضل مكانتهم الاجتماعية، إذن ما هو الخطاب الانتخابي الذي استطاع به حسين الحوثي إقناع ناخبي دائرته بأنه أفضل من الفراغ، غير اكتشافه لـ "كيف يلسعك البعوض.. البعوض خطير"؟
ستقولون انطلاء الدجل والشعوذة على أبناء صعدة لعدم توفر التكنولوجيا في ذلك الوقت.
وعليه ستبدو المكانة الاجتماعية، أو القدرة على الدجل وخداع الجمهور، مؤهلات فاقدة القيمة في أي انتخابات قادمة بفضل تطور وسائل الاعلام وسهولة انتشار مقاطع التواصل وتوفر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أن هفوة مرشح قد تصير فضيحة في عصرنا هذا، ناهيك عن سوء التخطيط للحملة الدعائية والعجز عن الرد على المرشح المنافس.
لنتوقف عن الشطح والحديث عن انتخابات في زمن الحرب..
ماذا فعل الحوثيون ببلادنا؟ ماذا فعلنا لنُبتلى بالمليشيا التي تستخدم البارود والقتل كنوع من الدعاية؟
أما ماذا نريد لتجاوز ذلك، فليس أكثر من الشعار نفسه، ولا يقتصر الرئيس على الرئيس، بل يشمل كل القيادات القادرة على إحداث تغيير في واقعنا: «قائد من أجل اليمن لا يمن من أجل القائد».
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس