على الرغم من أهمية الأنباء المثيرة حول خلاف سعودي إماراتي يمثل اليمن أحد مجالاته، فلا شيء يثير المخاوف أكثر من السيناريوهات الغامضة التي رُسمت في غرف مظلمة بهدف صياغة مستقبل اليمن بعد حرب فريدة من نوعها، لم تكن دائماً تتعقب العدو أو تنال من بناه الحيوية ومراكز عملياته وقيادته، بل اتجهت نحو الفتك بالشريك والحليف على الأرض، والذي نعني به السلطة الشرعية وطيفها السياسي والاجتماعي والوطني الواسع.
حديث صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية واسعة النفوذ عما أسمته "صداما متصاعدا بين السعودية والإمارات على الطاقة والحرب في اليمن"، ربما عكس رغبة أحد الطرفين أو طرف إقليمي ثالث وربما مسؤولين في الإدارة الأمريكية في إظهار هذا الصراع إلى السطح وطرحه للنقاش العام في الفضاء الالكتروني الواسع متعدد المنصات.
لطالما ترسخت لديّ قناعة بأن الشراكة العسكرية السعودية الإماراتية على الساحة اليمنية تحت عنوان لم يعد له أثر واحد على الأرض، وهو" تحالف دعم الشرعية"، كانت على الدوام ملغومة بالتطلعات الخفية والمتباينة لقادتها الطموحين الذين يؤسسون لأنفسهم أدواراً منفصلة في المشهد العالمي.
لم يكن هذا التحالف على مدى السنوات السبع الماضية، حليفاً في أي وقت للشركاء الذين يمثلون التعبير الأدق عن الشرعية وقيادتها وقواها السياسية والعسكرية، وعن دستور الجمهورية اليمنية، وعن التطلعات الوطنية المشروعة للشعب اليمني.
وفي المقابل، كان هذا التحالف منفتحاً، بشكل لا يصدق، مع من يفترض أنه عدو حقيقي ويرتبط بمشروع جيوسياسي عدائي وخطير للغاية، وهذا العدو هو جماعة الحوثي، أما المشروع الذي يرتبط به فهو المشروع الإيراني الجيوسياسي والطائفي المزدوج.
لكن هل يمكن للخلافات السعودية الإماراتية التي باتت في متناول الإعلام الدولي، أن تؤثر في هذه السيناريوهات أو تربكها، أو ربما تعيد توجيهها نحو أهداف أكثر نُبلاً واتساقاً مع الأولويات المشتركة لليمن وجواره الجغرافي، انطلاقاً من الشعور بالقلق إزاء تداعيات التنافر الحالي الذي وصفته الصحيفة الأمريكية بـ"الصدام" على بقاء خارطة التحالف الهش بين مكونات الشرعية؛ التي تخضع بالكامل أو تتوزع في ولاءاتها بين السعودية والإمارات؟
لا إجابة جاهزة على سؤال بهذا القدر من الأهمية، لكن يمكن التفكير بعمق بشأن ما يمكن أن تكون تداعيات محتملة لهذا الخلاف، خصوصاً إذا تصاعد واندفع البلدان نحو مواجهة على الساحة اليمنية بالأدوات السياسية والعسكرية الجاهزة التي استثمرا فيها، وهو احتمال لا يزال في تقديري مستبعداً، لأنه إن وقع فستكون إيران هي الرابح الأكبر، لما قد يؤدي إليه صراعٌ كهذا من تمكين لحلفائها الحوثيين، الذين باتوا يمتلكون مقومات عديدة لتأسيس سلطة معادية وأكثر استقلالية في الجزء الأكبر من شمال اليمن.
وتقديري أن السعودية والإمارات ستظهران قدراً كافياً من الانضباط بما يسمح بالتحكم بأي تدهور للعلاقات بينهما، سواء تعلق الأمر بنفوذهما في اليمن، أو حول قضايا أخرى غير اليمن، وهي مهمة للغاية، ومنها الزعامة الإقليمية، والملفات الحيوية التي ترتكز عليها، مثل ملف الطاقة، والعلاقة مع الغرب، والاقتصاد والتجارة والخدمات والعلاقات مع الشركات العالمية الكبرى، لطالما شكلت محركات أساسية للخلافات، على أنه ما من مسوغ لأن يتصاعد الصدام بين البلدين.
خلال سنوات حرب التحالف في اليمن، تمكنت الإمارات من الوصول إلى أهدافها بسرعة فائقة، وأهمها التحكم بالمزايا الجيوستراتيجية للجزء الجنوبي والغربي من اليمن، الأمر الذي أصار حفيظة المملكة، وهو أمر يمكن معرفته من خلال رد فعل السلطة الشرعية تجاه التحركات الإماراتية في كل من سقطرى وجزيرة ميون، وفي محافظة شبوة، وهو غالباً ما يكون مسنوداً بدعم سعودي.
لم يكن مسار حرب الإمارات في اليمن ملحقاً بالسعودية، بل هو مسار يكاد يكون منفصلاً، فهي مثلاً من كان يقود القوات المشتركة للتحالف في عدن قبل انسحابها في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
والإمارات أيضاً من تولى قيادة معارك التحالف في الساحل الغربي، واستطاعت أن تؤسس مشاريع سياسية اجتزأت بشكل مباشر من سلطة الشرعية ومكانتها وهيبتها ونفوذها، ودخلت في صدام مباشر معها، ولم تتوقف حتى باتت هذه المشاريع هي نفسها الشرعية الجديدة، وفق صيغة شراكة تعاني من الهشاشة والتناقض والصدام.
إن أسوأ السيناريوهات التي قد تنشأ عن الصدام السعودي الإماراتي، هي تلك التي قد تضطر معها السعودية إلى خيار التصالح مع الحوثيين بكلف استراتيجية هائلة، ومنها مثلاً أن يتفرد الحوثيون بالسيطرة السياسية على شمال اليمن مقابل التوقف عن إطلاق الصواريخ والمسيرات والمقذوفات عبر الحدود اليمنية السعودية.
المصدر: عربي 21
اقراء أيضاً
عن الاعتداءات الصهيونية على الحديدة يوم السبت!
خارطة الطريق اليمنية إلى جحيم الحرب الحقيقية
لماذا كل هذا الرهان على مفاوضات مسقط الإنسانية الاقتصادية؟!