أول مرة دخلت فيها الملعب لأشاهد المباراة، كنت مع إدريس، وهو رياضي شهير في القرية، يقرأ الصحف الرياضية ويرتدي الملابس الرياضية ولكنه لا يجيد اللعب في ملاعب المدينة ولا ملاعب القرية أيضاً.
كنت أشجع نادي صقر تعز بقوة، أستمع للمباريات عبر أثير إذاعة تعز وبصوت المعلق عبدالسلام فارع علي، أو أنتظر لنتائج المباريات التي يلعبها الصقر خارج المحافظة عبر موجز إذاعة صنعاء أو المجلة الرياضية التي يذيعها محمد يسلم البرعي عبر إذاعة البرنامج الثاني عدن، ليلة الجمعة، أو برنامج رياضي، لا أذكر اسمه، يذيعه محمد سعيد سالم.
كنت أصغر المجموعة الرياضية في القرية، إشادات الآخرين كانت تجعلني أذهب إلى المدينة لشراء الصحف الرياضية، تكومت شوالات من الصحف عند إدريس، «الرياضة» تصدر كل أحد،« الملاعب» ملحق تصدره مؤسسة الجمهورية كل سبت، «الثورة الرياضي» ملحق تصدره مؤسسة الثورة كل أربعاء، ولاحقاً صحيفة «سبورت»، ثم إصدار نادي الصقر صحيفة رياضية في تعز باسم النادي نفسه.
لم تكن قد حدثت طفرة التلفزيونات بعد، في القرية، كانت التلفزيونات المتوفرة عادية ومختلفة الأحجام والألواح وغالبيتها يخرج من «الدوجلي» في رمضان تجلوها الأتربة، وكان إدريس يملك تلفزيونا صغيراً حجمه لا يتجاوز الشبر، نستعين ببطارية سيارة تالفة وبضعة بطاريات أبو ثلاث خمسات، لمشاهدة مباراة ما تنقلها قناة اليمن الأرضية الأولى، أو قناة عدن الأرضية الثانية إذا كانت المباراة في عدن.
كان البحث عن قناة عدن يأخذ وقتاً طويلاً، إذ يتطلب تحريك الإريال المعدني المرتفع، من يراه يظن أنه يجلب القنوات الخليعة المشفرة التي كان يتحدث عنها الفارغين المبالغين، لذا إذا ما تحرك الإريال دعا المارون إلى المسجد لنا بالهداية وقت أذان العصر، لم يعرفوا أن إدريس يتعذب لتخفيف التشويش عن الصورة الرديئة بالأبيض والأسود لمشاهدة أجزاء من المباراة الجارية على ملعب الشهيد الحبيشي بعدن.
حدث ذات يوم أن ظهرت قناة دبي لثوان متقطعة، وانغمست المجموعة الرياضية بالتحليل التقني والفني للوصول إلى سر ظهور دبي "القناة" بتلفزيون إدريس، وكان ضمن التحليلات المعقولة: صفاء الجو واعتدال المناخ وخلو السماء من الغمام بعد المطر، الجو الآسر يجذب القنوات، تعليقاً آخر تفضل به سليمان، وهو الصديق المقرب لإدريس ولا علاقة له بالرياضة ولكنه يسمع المباريات وسيذهب إلى الملاعب فيما بعد من أجل صاحبه، قال سليمان بأن ظهور دبي على تلفزيون إدريس: «مدري ما يكونش بسبب الزفلت» ففي تلك السنة وصل الطريق الإسفلتي إلى منطقتنا ويبدو أنه سَهَّلَ للعالم أن يأتي إلى القرية من إريال إدريس.
مع انغماسنا في عالم الرياضة، بدأ إدريس بالذهاب خلسة إلى ميدان الشهداء، في البداية كان يرافقه سليمان، ثم بدأ بتفويجنا واحداً واحداً، وذات مباراة رافقنا إدريس إلى الميدان لأول مرة، برفقة شخص يدعى عارف كان يرعى الأغنام ولكنه متابع جيد للدوري عبر المذياع.
كان الشعور رهيباً ونحن بين الجماهير الغفيرة في ملعب الشهداء بتعز لأول مرة، كنا نظن أننا سنسمع صوت المعلق في الميدان، كان اللاعبون أمامنا ولكننا لم نعرف الكرة مع من بالضبط، حين خرجنا حدث تدافع أمام البوابة وفقدنا الأحذية، عرفنا لأول مرة هراوات قوات مكافحة الشغب، ولم نجد مواصلات تعيدنا إلى القرية، وفي الطريق كان عارف متهكماً: قاكنا على "الرادي" قلنا اشنتطور.. ذحين من فاز؟!
من المباريات اللاحقة، كنا ندخل الميدان والراديو الصغير بجيب كوت عارف.
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس