مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وتزايد المستخدمين، بدأنا نهتم بالطقس، ونراقب درجات الحرارة الكبرى والصغرى، وكلما أقبل الصيف انتابنا الفضول لمعرفة حركة الرياح وتحركات السحب..
تزداد المتابعة في الصيف اهتماماً بالمطر، في ريفنا يهتمون لمعرفة التوقعات لتهيئة الأنفس للفرح والأمزجة للروقان والأرض للخضرة، من لا يملك صفحة في مواقع التواصل يسأل أولئك الذين يجولون العالم بسبَّابَاتهم، القدامى يسألون الشباب والآباء يسألون الأبناء..
والد صاحبي عنتر، يتصل بعنتر ليسأله: موقال صاحبك؟
وعنتر يسرد ما قاله جميل الحاج، الشاب الذي ينقل لنا التوقعات: هذي السنة سنة الخير إن شاء الله..
كان ذلك قبل سنتين تقريباً.. عندما مشي والد عنتر خلف الثيران وهو يرمي الحَب، ويهجل:
ـ الرعوي المتوكل يتلم لَجُودِ الله.
*
رعية من البلاد، يتواصلون مع جميل الحاج، ليعرفوا ما قالته محطات الأرصاد وما تشير له الأقمار الصناعية.
أولئك الذين لا يؤمنون بتنبؤات التكنلوجيا، يتحفزون لسماع الأخبار عن الرياح اللواقح التي تسوق السحب.
الأولون الذين يتخذون من النجوم معالم للزمن، تخمل أعينهم بالنظر للسماء وهم يجدون توقعات الانترنت تزاحم نبوءات النجوم، لا يكفون عن عملهم، ولا يرتبطون بتاريخ من هذا الذي نعرفه، توارثوا المعرفة كابراً عن كابر وعمقوها برؤوس أقلام من أوراق ينشرها الفلكي الجوبي كل سنة، إذا نزل المطر وتحفز الرعوي الجديد للتليم، ينصحونه أن يتأخر:
ـ كل المطر يرزع الحَب، غير المتالم لها أوقات.
*
ترعد مجالس القرية بالنقاشات، وتتلبد الأجواء بالشكوك، فمن لا يؤمن بتوقعات الأرصاد يواجه المهتم بالتوقعات لإصلاح مشارب الأودية والسوائل: نزول المطر من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله كما قال في القرآن: "الله عنده علم الغيب وينزل الغيث"، يختلط العلم الحديث بعلم الغيب كما تمتزج قطرات المطر بالبرد.
المهتمون يردون: ما تقوم به الأرصاد إشارات لا أكثر، علم الغيب كامن في دقة التفاصيل، ثم إن الله هو الذي علم الإنسان وأوصله إلى هذه المرحلة. يتحير الذي لا يؤمن بالنشرات الجوية، يتفق الطرفان على انتظار ما ستجود به السماء دون نقاش، ويستغفرون. حتى إذا رأوا بريق نجم في الغرب مائل إلى الشمال مقابل قمة الجبل، تحركوا للحراثة والتزاحم على الثيران، والتمهجل بحكم علي ولد زايد:
ـ ياتلمة الظلم الأول، يا محرشة بين الأبتال.
*
صديقنا الرائع جميل الحاج، ينشر التوقعات، والصور التي التقطتها الأقمار للأجواء، ويتوقع، ويحذر الناس من المشي في الطرق التي تجتاحها السوائل، ويذيل منشوراته بـ "والله أعلم".
من التعليقات، نجد الاهتمام بما ينشره جميل، يسأله الناس عن مناطقهم: يا خبير، شي مطر عندنا، خولان؟.
المهتمون مزارعون بالدرجة الأولى، يريدون أن يستفيدوا من المطر، التوقعات المبشرة تدفعهم أكثر ناحية التربة ورؤوسهم مترعة بخيالات الحصاد.. هذا هو القصد: توظيف التوقعات للاهتمام بالزراعة، ليعود اليمني إلى عهد المدافن المملوءة بالحب، ولن يعود إلا بذلك "الأدبع/ القوي" المخلص لأرضه المهتم بها، الذي لا تغريه المغريات حوله:
ـ يقول على ولد زايد
ما بتله إلا من ادْبع
إذا ضرب صوت ما غارْ
ونْ طبَّلوا ما تِبَرَّع.
*
بخصوص والد عنتر في تلك السنة، استدعى الضمد للحراثة، وبذر الحب، وهو متردد، وكان يتصل لعنتر، وعنتر يبشره بتوقعات الطقس، ونزول المطر، فترتفع معنوياته للسماء.. فيحرس الوادي من الرعاة بالنهار..
كان المطر حولنا، بدأ زرع والد عنتر بالضمور، لكنه كان متفائلاً، يبس الزرع، وظل والد عنتر يحرس الزرع اليابس حتى تسلل إليه اليأس، فاتصل لعنتر:
ـ ابصر صاحبك إنه عاشيقع مطر، والا ارعي بالزرع اليابس..
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس