مشهد 1:
جندي يعود من الجبهة، مرّت الأيام وهو صامد في مترسه. يعيش في خط النار بلا سقف ولا هدوء، يعود ليأخذ وقتاً من الراحة، ينوشه القلق على بيته الأصل: المترس، ينسى أموره الحياتية، فيعود إلى خط النار.
تحدث مشكلة للجندي، يجد فرصة للبحث عن حل لها، يحمل قلقه لفترة قصيرة بعيدًا عن الجبهة.
في وسط الجلسة، تتصل زوجته،(نذكر القادة: لكل جندي عائلة)، يرد بصوت خفيض، زوجته تبحث عن مصروف، ربما كان له أولادًا، تريد أن تلحقهم بالمدرسة، أو مريضاً بحاجة إلى مصل، أو كيس طحين، يحاول مراوغتها، يرتفع صوته: اسمعي يا بنت الناس، رزقنا نأخذه من جنب ملك الموت!.
يصمدون أمام الأعداء، وعقب المعركة، يتسللون ليغتنموا ما يمكن اغتنامه من جوار صرعى المليشيا لتدبير مصروف البيت. ولكن ذلك لا يحدث دائماً، إذ تزرع المليشيا، الألغام في بطون أفرادها أحياناً.
مشهد 2:
جندي يعود من الجبهة، إلى أسرته الصغيرة، طفلته لا تكف عن البكاء، وهو لا يملك قيمة علبة حليب، يحتال عليها، بتبريد الشاي وصبه إلى الرضّاعة، ويغالط طفلته..
تشتد المعارك في الجبهة، ينسى وضعه، ويعود إلى موقعه..
**
المرتب، حق الأسرة.. للضروريات، للأدوية، ولعلبة الحليب! لا أحد يريد أن يترفه، أو يذهب للحديقة، الجنود لا يعرفون التنزه..
الاستخفاف بمرتبات الجيش وقطعها؛ كارثة. التسويفات من الحكومة والرئاسة مصيبة، وكل شيء يؤثر على مسار المعركة، تتحملها قيادة الشرعية في الأول والأخير.
يبدو الجيش الوطني، كما لو أنه يتعرض لحصار اقتصادي من داخله، وفي الوقت المفترض أن نرفع أصواتنا للمناداة بصرف المرتبات، تحدث مشكلة موازية: قطع التموين.. يريدون إشغال الجندي وقائده باللقمة، في لحظة فارقة ينبغي عليه أن يركز كل تفكيره على المعركة لهزيمة العدو..
تحدث هذه الإشكالية في تعز، ولا أعرف إن كانت تحدث في مناطق أخرى..
بظرف استثنائي وحالة بائسة، يصمد هذا الجيش العظيم، ويقود أفراده معارك ضارية، يصمدون في وجه العدو، ويصمدون في وجه الظروف، ومن عظمته؛ يصمد في وجه كل الاغراءات المحيطة به، وهذه الاغراءات قد لا تكون بريئة، إذ بإمكان المقاتل المنتمي للجيش الوطني، الذهاب إلى وجهة تقدم المال. في تعز على سبيل المثال: طارق أو الشيخ، الأحزمة أو أي مكان آخر، وأن يقبض مرتباً كبيرا «راتب الشهر وحده قد يصل إلى راتب نصف سنة مع الجيش، مع أنه لا يأتي» والدنيا عوافي.
ومع هذا الحصار الغريب، للجيش، تخرج الحكومة لتستعرض قوتها عليه، حين يتخذ إجراءات للحصول على موارد مالية تكفل له حق التموين على الأقل، فتوقفها الحكومة، كما فعل رئيس الوزراء مع إجراءات محور تعز..
والصدق، أن توجيهات الحكومة كانت قوية، إذ أوقفت إجراءات المحور، وأصدرت ما حسبته حلولا مؤقتة للمشكلة المالية، حيث وجهت البنك المركزي باعتماد ميزانية شهرية للجيش، ولكن البنك يرفض هذه التوجيهات.
لا أحد يفكر بمتطلبات المعركة، واحتياجات الجندي، قوى سياسية تجر الجيش الوطني إلى مربعات الصراع والتلميح على أنه مليشيا، وتتغاضى عن التشكيلات الأخرى.
هذا الجيش العظيم، الذي صمد في وجه كل التحديات والمغريات والتجاذبات، هو من يواجه الحوثي، بلا مرتبات ولا موارد ثابتة، ولا دعم ثابت، ومن ثم نحزن إذا لم يتقدم سريعاً ساعة الحسم..
إلى الآن لم نعرف من نحمل، الرئاسة أو الحكومة أو البنك، أو الجني الأزرق، مسؤولية إيجاد حل جذري لهذه المعضلة؟!
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس