يبدأ الفساد بخطرة برأس المرشح لمنصب أو المُقدّم لمشروع، تصير وسوسة وهو بموقع المسؤولية، يتلفت حوله، يتفقد الموارد، تنقدح في الرأس شرارة الحيلة. كل شيء جائز لتحسين المعيشة، معيشته هو، ترتيب الوضع فقط من أجل جودة العمل، الفاسد الصغير يوهم نفسه، أما الكبير فقد جهز وطابه وبرذعته قبل أن يبدأ، وقال: هذه فرصة لن تعوض.. وولغ في الفساد، وغرق فيه، حتى صار عاديا، وبدا ملل الناس ـ من فساده ـ مفاجئا.. ماذا فعلت؟!.
الفاسد الصغير، يبدأ بالتدرج. سأجرب هذه الخطوة فقط يقول، يتحسن وضعه، يرى أن الخطوة كانت سهلة ولم يلاحظها أحد. لا ضير من خطوة أخرى، سفرية أو رحلة وترقية أقارب، الأمر مريح، لا بأس بتدبير أربع سيارات ورصيد في البنك، الزواج من الثانية، أوه، لابد من العدل والمراضاة، فلة للمرأة الثانية كالفلة الجديدة للمرأة الأولى وحزام الذهب، أوه، ليس من المعقول أن يصرف من الجيب قيمة المشتقات النفطية لرتل السيارات الذي يرافقه، خطوة جديدة للبحث عن مورد صغير يغطي هذه الجزئية، ستكتمل النعمة، ويعتدل المزاج، وتتهيأ أجواء العمل بلا فساد بعدها..
وللأسف، كلما تقدم الفاسد خطوة، استلذ الفساد، اكتشف مداخله ومخارجه، وتعرف على أصدقاء يلهمونه آليات جديدة للعمل، لم يعد يولي العمل الرسمي أي اهتمام أصلاً، جل اهتمامه تركز على تحقيق صفقات كبرى، يريد أن يتقدم على بقية الفاسدين، بدأ العطن يفوح من الوظيفة أو المشروع، تتوقف الخدمة، تتعالى الأصوات المتأذية من العفونة المتراكمة.. ليتك على الأقل وازنت بين الفساد والعمل!. ماذا فعلت؟
يبدأ هذا النوع من الفساد، في حال وجود سلطة قائمة، وكلما كبر الفساد كشف عن هشاشة هذه السلطة، عن أولوياتها، وطريقة إدارتها للبلاد وشؤون العباد..
وفي بلادنا، تبدو خالية من سلطة حاكمة كما ينبي عجزها، لكن ذلك لا يبرر أن تكون المكاتب الحكومية مفتوحة للفساد على مصراعيها، إننا في حرب، وخصمنا يقتل ويدمر، يجبي وينهب، وحليفنا يتحسس من منشور على فيس بوك، والميدان مفتوح لإبراز الرجال وإفراز الصادقين، النزيهين، الذين يعملون على تسخير جزء من الموارد إلى الجبهات، لدفع المقاومة والجيش خطوة جديدة للتحرير من المليشيا المدعومة من إيران.
في تعز على وجه التحديد، بحاجة إلى هذا النوع من الرجال، تفقد الخطوط الأمامية وتقصي متطلباتهم لإحراز تقدم كبير، العمل على تلبية المطالب، وبالتوازي: التفاني بخدمة المواطنين، لا نقول توفير الخدمات المجانية، يكفي تحسين الضوء والماء، وإماطة الأذى عن الطريق!.
ترشيد المال، لا الفساد.. الجبهات لا الجيوب، الأبطال لا الأقارب!..
وفي هذا الموضع، يحتاج المسؤول الحقيقي، إلى عدم الحسد لزميله الفاسد!.
وكما قلنا، أن عجز سلطات الشرعية، جعلت بعض المكاتب الحكومية كما لو أنها تابعة لأشخاص، وأننا في حرب، فقد ازدهرت المنظمات والمؤسسات ككيانات موازية ممنوحة، تتلقى دعما هائلا لتقديم الخدمات، تقوم مقام الحكومة، وهنا يبدأ فساد من نوع آخر.
*مؤسسة تقدم برنامج للدعم النفسي، توزع عدد من البالونات! أنا متأكد أنكم لو علمتم المبلغ الإجمالي لهذا المشروع لقلتم أن البالونات ذهبية عيار 21!..
*منظمة توزع سلال غذائية، تتفق مع تاجر على عرض محدد للسلة الغذائية، أن يكون مثلا 30 دولار، لكن لأجل الاحتيال على المانحين سجل على الفاتورة 70 دولارا، وسنمنحك 35، لم يخسر التاجر شيء يفرح أكثر، إلى جوار الخمسة الدولار الزائدة على الفاتورة، يقوم باستبدال البضائع بالأردأ والأرخص، قبل سنتين ونصف تتبعنا قيمة السلة فلم تصل 24 ألف ريال.. ولأن منفذي المشروع قد أفسدوا وشاطرهم التاجر الفاسد، فلم يراجع أحدٌ أحدا!..
*جهة توزع مياه للحواري، يكون اللتر بريال، على سبيل المثال، فتتفق مع صاحب البئر أن يسجل بالفاتورة، اللتر بخمسة ريال، يفسدون صاحب البئر الذي يفرح باستلام ريالين، وهكذا مع أصحاب المجاويل والبناء حتى الإقامة في الفنادق.
هذا النوع من الفساد المتفشي، نخشى مواجهته، نبرر لهذا النوع من الفاسدين، لأن المنح من دول أخرى، من الأجانب، وليست موارد دولة، نخشى أن نواجههم فتنقطع عنهم المنح، فتنقطع عن المواطنين بعض الخدمات التي يتحصلون عليها، فيخسر المواطن كيس البر الرخيص ويخسر العاملون في هذا الحقل مستقطعات الفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس