الخميس، كنا في المقبرة، ومع أن طقوس الدفن واحدة إلا أن الفرق كان حاضرا بين جنازة وأخرى.
كنا في مقبرة الشهداء وسط مدينة تعز، نودع شهيدين، وعلى الجانب الآخر من المقبرة كان هناك أسرتان، كل واحدة متجمعة على قبر، كل أسرة تدفن ميتها بلا تجمهر، أو حتى حضور قلة من الناس من خارج الأسرة.
أربع جنائز في وقت واحد عند الظهيرة، شهيدان وميتان.
جاء جثمانا الشهيدين زهير عبد الله وعاهد الجندي إلى جامع السعيد، استطاع زملائهم من توديعهم بشكل طبيعي وتقبليهم أيضاً، كنا حولهم، تجمع الكثير لتشييع البطلان الذين استشهدا في جبهة مقبنة، وقد تجمعنا حول القبرين المتجاورين، ومد بعضنا إلى بعض بالبلك والطين والنعش والأحزان، أما جثامين المتوفين فقبورهم متفرقة، وحولهم قلة من الناس، لقد اكتفت كل أسرة بالصلاة على ميتها في المنزل، في تلك اللحظات، سمعت أحد الجنود يقارن: "موت عن موت يفرق.. الناس يخافون من الميت المشتبه رحيله بكورونا، لكنهم يعظمون من يستشهد وهو يواجه المليشيا".
قال لنا الأطفال الذين يقايضون خدماتهم بصدقات المقابر، أنهم استقبلوا في الصباح ثلاث جنائز، وبذلك يكون المجموع حتى الظهيرة: خمس وفيات، وشهيدان.
تختزل الصورة المأساة التي تعيشها تعز، المحافظة بين وباءين: كورونا والحوثي.
عند العزاء بالشهيدين، تنهد أحد زملائهم الجنود: بتعز هذي الأيام، يا إما موت بكورونا، أو رحيل بمواجهات مع الحوثي، ومواقع الجبهات أأمن للنفس من زحام المدينة.
لقد قرر العودة إلى الجبهة الغربية، مقبنة.
بعد ساعات، كنت أحسب: خمسة موتى وشهيدان.. خسرت تعز سبعة أشخاص في مقبرة واحدة، ولم يمض غير لحظات، حتى قرأت خبر وفاة الدكتور محمد الحميري، وهو الدكتور الذي نشط العام الماضي، في مركز العزل الصحي للمصابين بكورونا، مركز شفاك الذي رعته مؤسسة الشيخ حمود.
يا للمأساة، في تعز يستشهد أيضا الجنود الصحيون الذين يخوضون المعركة ضد كورونا.
لم يتوقف الرحيل عن الدنيا عند الدكتور الحميري، يوم الخميس، في الليل كنت أعزي صديقين، أحدهم بوفاة عمه والآخر بوفاة جده.
في تعز موتى وشهداء، ومع أنك لو خيرت الناس بين الموت بكورونا، أو الاستشهاد أثناء مواجهة الحوثي، سيهللون للخيار الثاني، فبه موقف وطني، وعزة نفس، علاوة على أن الاجتبال "البقاء في الجبهات الجبلية" أضمن من مخالطة الزحام في المدينة، إلا أن أحدا لم يصل إلى تلخيص الفروق بين أعداء الحياة في تعز: كورونا والحوثي كما يقولون.
في أحد الشوارع، جملة على حائط من السنة الماضية: فيروس حوثونا أخطر من كورونا.
فالفيروس يأتي كموجات، يأخذ نصيبه مرة واحدة بلا مغالطات في الوعي وفذلكات تخدع الناس، أما الحوثية فخطرها كبير ولها أصول ومراجع وتخاريف وأوهام والكثير من البارود.
على أن المعركة في تعز مع الحوثي أسهل، على الأقل فهذا العدو يمكن أن تراه وتلاحقه مهما استخدم من وسائل الغدر والتوحش، أما كورونا فعدو لا يرى بالعين المجردة، والتعزيون يفتقرون لأبسط الاحتياجات التي تجعلهم يسرعون في وتيرة حسم المعركة ضد العدوين اللدودين، كورونا والحوثي.
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس