كنت أتحدث مع صديقي حول بعض الكتب الجامعة بين اللغة والفكر، بينما كان صديقنا الثالث يبحث عن باص يوصلنا لإحدى الحارات، سألني صديقي المطلع على كتب الفكر والتاريخ:
هل قرأت كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب؟
أجبت بالنفي عندما أوقف صديقنا الباص الفارغ، وقبل أن أجلس على الكرسي، شعرت برغبة التوضيح بأنني قرأت لسيد قطب، خاصة بعدما عاتبني صديقي: موتعمل وإيش تقرأ؟ كيف لم تقرأ هذا الكتاب؟.
أخبرته بأني قرأت كتابا مهما لسيد قطب اسمه "كتب وشخصيات"، وفي هذا الكتاب الجميل يتحدث قطب عن أعمال آخرين وينقدها، ما لفتني هو حديثه عن قصة نجيب محفوظ، وتأكيده بأن هذا الشاب "نجيب محفوظ"، سيصل بالأدب المصري إلى العالمية إذا استمر بهذا التطور، وقتها لم يكن محفوظ قد نشر غير قصتين، والقصة الثالثة التي يتحدث عنها سيد قطب، عنوانها "خان الخليلي".
عندما قرأت الكتاب، استغربت من قدرة قطب على التنبؤ بأدب محفوظ والحديث عن موهبة الكاتب الشاب الذي سيصل إلى العالمية، خاصة وأن الرجل لم تتجاوز قصصه أصابع اليد.
أحب الاطلاع في هذا الجانب، الأدب والكتب والشخصيات، بينما صديقي المطلع على مؤلفات الفكر والتاريخ، طفق يتحدث كيف أن دور النشر، في فترة من الفترات، كانت تعيد نشر مؤلفات سيد قطب وتشير على الأغلفة بأنه ألفها قبل انتمائه لجماعة الإخوان، كما تحدث عن الاحترام الكبير الذي كنه نجيب محفوظ لسيد قطب حتى بعد مماته، ولم أتحقق من المعلومتين، غير أن صاحب الباص سألنا: من هو نجيب محفوظ؟ وأشار أن قطب شخص معروف لكن محفوظ لا.
دخلة السائق الغريبة، التي تشبه صداما في الشارع، حولت الحديث إليه، وجه صاحبي سؤالا:
من أين تعرف سيد قطب؟
أجاب السائق بأنه سمع عشرات المحاضرات لسيد قطب، واستمر في الجدال، لكن صديقي قطع أمامه الخط بعدما تركه يجر حديثه المصدوم: ليس لسيد قطب محاضرات، هو مؤلف.
هنا تراجع السائق قليلا، وقال بأن لوالده مكتبة كبيرة في البيت وقد قرأ منها ما شاء الله له أن يقرأ من المجلدات والفهارس، علاوة على أنه كان يسمع المحاضرات لكشك، وطفق يؤكد بأن نجيب محفوظ غير معروف، ولكن سيد قطب مؤلف "وقرأت كتبه في مكتبة أبي"، مؤلف رائع، ويضيف: نعم قطب تمام، ولكن يوسف القرضاوي سيء..
وهكذا خرجنا من خط إلى خط، قال بأنه يعرف القرضاوي من مقاطع الانترنت ومن المؤلفات، إنه سيء، يقول أشياء فاسقة، وهنا عرج السائق على الاختلاط، فما كان من صاحبي إلا أن سأله:
هل تحمل النساء والرجال في الباص؟
رد السائق: أنا طالب الله..
طلبنا منه قبل أن نصل، أن يعطينا عناوين الكتب التي قرأها، كتب سيد قطب أو القرضاوي، أو عنوان محاضرة، لكنه قال بأنه لا يملك صرف ألف، قلنا له مستعدين أن نذهب معه إلى مكتبة والده فاعتذر، وطلب منا أن نبحث نحن.
كان صديقنا الثالث الراكب في الكرسي الأمامي، قد كتم انزعاجه من الحديث برمته، فنزل ورد الباب بقوة وهو يقول للسائق: حرام وطلاق ما قرأت كتاب...
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس