كانت المدينة تضج عندما يصد أبناء الجيش والمقاومة هجمة للمليشيا أو ينقذون الأبرياء من قناص الحوثيين، كانت المدينة تخرج تزف الشهداء، كانت الكاميرات تعمل، وتفاصيل الأبطال تُكتب ويجري تداولها على أوسع نطاق، كان التكاتف بين الفئات المختلفة يزيد "تعز" قوة، لكن إظهار الالتفاف المدني حول أبطال المتارس تراجع تدريجياً، وكأن حملة شيطنة قد تسللت إلى المدينة فأضعفت ذلك الالتفاف.
لا أحد يريد لتعز أن تتقدم، قوى خارجية تريد الفوضى، أو على الأقل، تريد أن يستمر الوضع كما هو عليه دون تقدم، مكونات أخرى تريد اتخاذ المحافظة مسرحا لتصفية الحسابات، ولكن تعز تمضي: يد تنظم ويد تقاوم، لذا واجهت على مختلف الجبهات، واجهت المليشيا الحوثية، واجهت المتطرفين، واجهت العصابات الخارجة عن القانون، وحين فشلت مخططات الهزيمة، جرى طرح خطة الشيطنة المدروسة: الترويج لسلوك خاطئ، والعمل من الحبة قُبة، لإضعاف الجبهة من الداخل، وجذب بعض منتسبي الجيش إلى المشاكل.
شيئاً فشيئاً، انجر بعض المقاتلين إلى الأماكن التي تدر أموالاً لتغطية العجز الذي يواجهونه، وبعد فترة، عندما استلذوا الموارد وانغمسوا فيها، اتجهوا للبلطجة على بعض البيوت وبعض الأراضي، لم يتمكنوا من كبح شهوة البلطجة، عدد منهم تحولوا إلى مستعرضي عضلات على البسطاء في الشوارع، بدأت الشيطنة تتعاظم، والحوثيون يعملون بوتيرة أشد لاختراق المدينة: دعارة، عصابة عبوات، وعيون راصدة لمواقع الجيش والمقاومة.
أعمال الشيطنة طغت على أعمال الحوثي، من يخدم المليشيا؟ الجميع مسؤول.
وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت في نشر الصورة السيئة، نشطاء استخدموا وقائع ملونة ومعلومات زائفة ونشرها كحقائق، المناكفة الحزبية تفشت بقصد وبغير قصد، حقوقيون يعملون في منظمات يريدون إرضاء الممول بصيغ منحازة، أو لأنهم لم يتمكنوا من ممارسة تصوراتهم المثالية عن المدنية، بشكل كامل وسط المدينة!.
سارت الخطة في طريقها: عزل المدنيين عن الجيش والمقاومة، إبعاد الإلتفاف الشعبي عن المقاتلين، وعليه؛ لنشيطن المدينة بتضخيم ما يفعله أي فرد بداخلها، أي فرد منتمي أو محسوب على الجيش.
لا نتحدث هنا عن جرائم القتل والبلطجة المعدودة، لأن أي جريمة يجب أن توقظ ضمير الحي فتنتصر للضحية وتعاقب المجرم، ولكن عن السفاسف التي غطت على تفاصيل الأبطال.
نعم.. استطاع المخططون ـ وساعدناهم نحن ـ من حرف أبناء تعز عن شيئين:
الأول: جرائم الحوثي بحق المدنيين التي تتواصل حتى اليوم، على سبيل المثال: لم تعد جرائم القنص المتواصلة واستهداف النساء تحظى بالتغطية كما كانت «شخصيا لا أعرف كم عدد الأطفال الذين اقتنصهم الحوثيون هذا الأسبوع» أما تدمير المنازل فصارت شيئا عادياً «خلال الأيام الماضية، فجر الحوثيون 15 منزلاً في منطقة واحدة، هي مدارات غرب المدينة».
الثاني: تضحيات الأبطال.
وأنا أتأمل صور الشهداء في الأسبوعين الأخيرين، شعرت بوجع كبير وتقصير أكبر من قبلنا تجاه هؤلاء العظماء، هم بالتأكيد لا يريدون منا شيئا غير التكاتف لأجل البلاد.. شهداء بعمر الزهور قدموا أرواحهم من أجلنا، أثرهم باق، لكنهم لم يجدون من الانتباه معشار ما يلقاه بلطجي في حدث عابر.
على سبيل المثال، هؤلاء الشهداء خلال الأيام الماضية:
ـ أسامة النمر: خريج مختبرات. بعيدا عن أسرته منذ بدأت الحرب بسبب الحصار.
ـ مهند الشميري: مضى على زواجه سبعة أشهر.
ـ حسين الأسدي: مازال والده يعالج شقيقه الجريح في مصر، وأخوه الآخر لم يترك ميدان المعركة عندما استشهد حسين..
ـ سامي العوني: لم يدخل الجامعة بعد..
ـ محمد مارش: لم يتزوج بعد، يدرس هندسة ميكاترونيكس.
ـ أحمد أمين: ليس لوالدته غيره.
وكذلك واثق القيسي، وهائل المقطري، وغيرهم.
آن لتعز أن ترفع رأسها فخراً بهؤلاء الأبطال، ولا يعني ذلك أن تصمت تجاه سلوك البلاطجة، علينا التنبه لحملات الشيطنة، والوقوف بحزم أمام رغبات الشياطين.
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس