يخاف الحوثيون من الإعلام، ويخشى عبدالملك الحوثي مما سماه "الفوسبوك"، أنصار المليشيا يرون أن عبدالملك الحوثي ورموز الجماعة مقدسين، بينما الحقائق التي يكتبها الناس تنتهك تلك القداسة، يتركز خوف الحوثيين في فقدانهم للأفراد والمقاتلين والأتباع إذا ما عرف هؤلاء أن شخصا كتب فظاعات الرموز وحقائقهم دون أن يصيبه شيء، كيف تكشف تناقضات السيد المبارك وتُلبسه رداء الطاغية والكذاب وهو المقدس المحفوف بالكرامات والبارود؟.
في السنوات الأولى من انتفاشة الحوثي واقتحامه للمحافظات، لم يتبق لكثير من اليمنيين من جبهة لمواجهة العته الباطش، غير مواقع التواصل الاجتماعي، تحول فيسبوك بالنسبة لليمنيين إلى ساحة أخيرة لخوض المعركة. كان من يفتح صفحة في هذا الموقع كأنه يبني مترساً، الكثير من المتارس في الحائط الأزرق خلفها الأبطال الشجعان الذين يطلقون الكلمات على الأعداء، إنهم يذودون عن الشرف، يتداولون جرائم المليشيا كذخائر ليضربوه بها. كان الحوثي يفجر المساجد والمنازل، يقتل النساء ويقتنص الأطفال، يختطف الشباب، يسلب المارة أموالهم وأرواحهم، يقتحم مؤسسات الدولة بدعم من صالح، فيبدو منتصراً على الأرض، لكن الفس بوك كان يوجعه، إنه يبدو مهزوماً ولا بد من عملٍ ما على الجبهة الافتراضية.
في يونيو 2017، وصف عبدالملك الحوثي النشطاء الذين يكتبون في مواقع التواصل الاجتماعي بـ "غربان الفوسبوك والأبواق الشيطانية" وأنهم كما قال "جبهة المتربصين الذين ليس لهم موقف واضح من العدوان" وركز هذا الخطاب على من يعملون في اليمن على إثارة الناس إعلامياً لخدمة العدوان كما يقول. هذه النظرة العدائية للنقد تفسر تمسك الحوثي بالصحفيين وتعذيبهم، لقد بلغوا من الجنون ما لا يوصف، إذ مضت المليشيا بمحاكمة صحفيين والحكم بإعدام أربعة منهم بمحاكمة هزلية بعد تعذيب جدي للصحفيين والتنكيل بأمهاتهم والاعتداء عليهن في الشوارع.
تدريجياً بدأت جبهة الفيسبوك تخمد، دب الملل في كثير من المحاربين الافتراضيين، استشف الكثيرون مطامع الإمارات ببلادهم وما بدا كأنه استخفاف سعودي بالأمر، توالد المرتزقة على شكل كيانات، أعمال البلاطجة المندسون في صفوف المقاومة والجيش بدأت تظهر، توقف بعض محاربي الفيس بوك عن مهاجمة عبدالملك، احتار محاربون إلى أي مكان يطلقون الكلمات، وتشتت محاربون في مواجهة كل من يرونه فقاموا بتدوير المتارس الافتراضية وأطلقوا الكلمات تجاه الجميع..
تراجع النشر عن عبدالملك الحوثي وجماعته كثيراً مع أن جرائم الجماعة زادت، مع ذلك مازالت جماعة الحوثي متشبثة ببشاعتها تجاه فيس بوك، تبدي العدائية الصريحة تجاه الكلمات، ظهر هذا الأمر الأسبوع المنصرم في جنيف، إذ رفض الوفد الحوثي إدراج الصحفيين في عملية تبادل الأسرى!.
*
قبل ذلك؛ حاولت جماعة الحوثي بشتى السبل، القيام بإجراءات لمنع انتشار ما يتداوله الآخرين في صفوف أنصارها، كان التعميم ومازال ألا يشاهدوا إلا قناتهم "المسيرة" أن لا يستمعوا للإعلام ويتأثروا به، أن يحذفوا الواتس، أن يخرجوا من الفس بوك. كانت التعبئة رهيبة. شخصياً، قال لي أحد الذين يذهبون مع الحوثيين ومع ذلك ينفع أصحاب البلاد من المرضى حتى لو كانوا مناوئين للمليشيا، إذ كان يقوم بإسعافهم إلى منطقة الذكرة حيث تسيطر الجماعة، هذا الشخص أخبرني بأنه مستعد أن يسعف رجالا قاتلوا الحوثيين دون خوف، وأردف: لكن أنت لا.. معك فيس بوك.
ظننته يمزح، وفي العام الماضي، سمعت أحد المتحوثين الشاربين لملازم السيد عبده، يهاجم الإعلام والإعلاميين، ويقول أنه غادر الفيس بوك وحذف الواتس، طفقت أدافع عن الصحفيين وأذكر له ما تعرضوا له من عذاب، بكل برود وثقة قال لي: يستاهلوا.. وعندما سألته: لماذا؟ أجاب: يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره. وفسر أن الكتبة والمفسبكين يطفئون نور الله بأفواههم وما أفواههم إلا الفيس بوك.
أعيدوا ترتيب الصف المحارب في فيسبوك على الأقل، إذا أردتم سماع صراخ المليشيا وزعيمها، فعّلوا الجبهة الافتراضية، عمّروا أسلحة الكلمات، فهو يخشى من "فوسبوك" كما لفظه، أكثر من خشيته من الميدان.
وبعدين مش جريمة، لما يتخيلوا عبدالملك الحوثي نور الله.. والله ما يصلح ذبالة قمقام بلا صليط..
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس