في 2011 خرج اليمنيون في مظاهرات حاشدة، تطالب برحيل علي صالح، كانت موجة الربيع العربي عاتية، غير أن المؤسسات التابعة لعلي صالح كانت ترى بأن أبناء تعز هم سبب الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد. التعزيون يوصفون أنهم الأكثر تعليما وإذ لم يخضع الوصف على معيار علمي، ومع ذلك أطلق رجالات صالح على مدينة تعز عاصمة الثقافة اليمنية!.
كانت المؤسسات التابعة للزعيم الراحل، ترى أن إحدى الوسائل لإيقاف المظاهرات الحاشدة، تبدأ من إخماد التعزيين. ولهذا أطلقت المؤسسة الأمنية والعسكرية حملتها بلا هوادة في العاصمة الثقافية. كانت الأنباء مرعبة، ومازالت آثارها محفورة على المباني، وآثار البارود على أشجار ساحة صافر، المكان الذي اتخذه التعزيين ميدانًا للحرية والهتاف ضد النظام السابق، وكانت أول مكان في اليمن يعتصم فيه المتظاهرون..
أول شهيد في ثورة الشباب، سقط في تعز.
وفي تعز، نقش رجالات صالح ذكرياتهم بداخلها بالنار والبارود، ذاع صيت "قيران"، وأما شهرة ضبعان فقد بلغت الآفاق.
كان التعزيون موزعون على مختلف المحافظات، بحكم أن محافظتهم هي الأكثف سكاناً في اليمن، ولهذا كان توجيه الضربة لهم طريقة لخنق الهتاف، هكذا كانت ترى حاشية الرجل بعيدا عن مجاملات أنصاره الذين ينتمون للمحافظة نفسها.
حدثت المحرقة الشهيرة، في 29 مايو2011، قصف على ساحة الحرية، قصف من كل مكان واقتحام لساحة الحرية، قيران يضرب، وجبران يضرب، وضبعان يضرب، سقط قرابة 15 شهيداً، وسقط العشرات جرحى، كانت قوات الحرس الجمهوري، أكثر القوات تنظيما وقوة قد انتشرت بامتداد الستين، ومن هناك توجهت راجمات الصواريخ نحو المدينة التي اعتبروها سابقاً عاصمة الثقافة، لم تكن هذه القوات في حملة لحماية الجمهورية، وإنما لإخماد الحناجر الهاتفة برحيل النظام، القوات التي يشير اسمها بأنها حارسة للجمهورية لم تخض معركة في سبيل ذلك، كل ما فعلته إحراق خيام المعتصمين وإصابة المنازل بالقذائف.
في 11/11/2011، رأى الجميع القذيفة التي انطلقت لحماية صالح ونظامه، تهاوت القذيفة يوم الجمعة إلى مصلى النساء في ساحة الحرية، مازال التعزيون يتذكرون الحادثة الأولى التي ترُتكب ضد النساء بهذا الشكل الفظيع، لن تنسى المدينة الشهيدات الثلاث اللواتي سقطن وقتها: تفاحة، زينب، ياسمين.
ترك صالح هذا النوع من الذكريات الفظيعة، توالت الأحداث المشابهة، حتى جاءت مرحلة الوفاق، ثم تلتها مرحلة النزاع والحرب. لم ينس صالح المحافظة التي يراها بأنها أسقطته، كان الناس يتماهون مع الواقع، الحصانة الممنوحة للرجل جعلت اليمنيون يتجرعون مضاضة إجبارهم على التعامل مع الجرائم كذكريات. ليكن ذلك إن كان في سبيل مستقبل البلاد. تحالف المؤتمر ـ جناح صالح، مع الحوثيين، ولم ينسوا تعز، وأثناء شق الحوثيون طريقهم إلى عاصمة الثقافة، أوصاهم صالح بالاهتمام بها، وقال الحوثيون: لا توصي حريص!..
مازال الحرس صالحياً، ويقصف المدينة، والمدفعية يديرها الرجال القدامى لتغطية تقدم الحوثيين.
بدأ الناس يتناسون صالح حين انفض تحالفه مع الحوثيين، المصير الغادر الذي تلقاه جعل الكثير من الناس يتعاطفون معه، حتى أولئك الذين أوجعهم نظام الرجل من قبل، لا أحد يريد لخصمه أن يتعرض للنكال من الحوثيين الجماعة الأبشع في التاريخ اليمني، صرنا في نظر المليشيا سواء، حسنا لنتغاضى عن ذكريات الراحل بحق الناس، على الأقل احتراما للمؤتمريين الذين صاروا في الصف المناوئ للمليشيا.
تعامل التعزيون بألم: التغاضي عن الفظائع التي ارتكبتها مؤسسات صالح لتوحيد الجهود في مواجهة الحوثيين. لكن بعض المؤتمريين نسوا كل ذلك، وأبوا إلا أن يستدعوا صورة الزعيم في احتفالية تأسيس حزب المؤتمر، وتعليق الصورة على جدار انقضّ بعضه من القذائف، جدار ينز دماً من 2011، وهو الاستفزاز الذي يرغم التعزيين على نسيان المصير الغادر الذي لاقاه صالح من الحوثيين، واستدعاء فظاعاته.
الأفضل للمؤتمر إن كان يحب الزعيم، ألا يستفز أبناء تعز.. صالح نفسه ما كان ليفعل هذه الفعلة.
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس