يحاول الحوثيون مجاراة طباع اليمني الذي ينسى مأساته ويذهب للتعاطف مع مآسي الآخرين. هي ميزة جُبل عليها اليمنيون، تجرفهم العاطفة فيشفقون على من يتعرض لمصيبة، وإن كانوا يكابدون مصيبة أكبر منها، ويتألمون على من يتعرض لجرح، وإن كانت جراحهم أعمق.
في لحظة ما، ينسى اليمنيون آلامهم، ويقفزون إلى الواجهة متضامنين مع أناس سمعوا بهم، كما لو أن في الأمر تحدياً لاختيار أكثر الشعوب إنسانية في العالم وينبغي أن نكون في الصدارة، لأن ذلك كل ما تبقى لنا للتأكيد على وجودنا الموجع.
وهذه الخصلة قديمة كما يبدو، وأكد عليها نبي الإسلام قبل أربعة عشر قرناً عندما التقى بالوفود اليمنية: جاءكم أهل اليمن، هم ألين قلوباً وأرق أفئدة.
وإذن فهي طبع، باعتبار التعاطف مع مآسي الآخرين من مظاهر الرقة واللين، كما يؤكد على الشعور الإنساني المرتفع، الذي يجعل اليمني ينسى وجع اليمني ويتلمس المآسي في الضفة البعيدة، فليس لتعاطفه رسائل سياسية، أو أهداف يود كسبها، كما أنه لا يتعاطف تقديراً للجمال، كما يذهب بعض الغاضبين في تأويلاتهم بعد التعاطف الذي أبداه اليمنيون تجاه لبنان في مأساته الأخيرة.
شعرنا بآلام اللبنانين، نحن نتشابه إلى حد ما، إذا لم تكن اللغة كفيلة بتوحيد المشاعر، فهناك ما يكفي لتوحيدها في واقع البلدين: حزب الله وأنصار الله، الخطابات الطويلة، السبابتان الضاغطتان على جراح البلدين، والخواتم على خنصري حسن وعبدالملك.
لن ينتزع الحوثيون هذه الخصلة من اليمني الطيب. أبناء تعز ـ الذين يعيشون في حصار يفرضه الحوثيون منذ خمس سنوات ـ كانوا في قلعة القاهرة في محاولة لإيجاد متنفس يعبر عن بهجة العيد، رفعوا الأعلام اللبنانية وعبارات التضامن بشكل تلقائي. كانت لفتة رائعة لأنه لم يطلب منهم أحد أن يفعلوا ذلك، لم ينسق ناشطون وتقوم جهة بتوزيع الأعلام، كما أن التضامن اليمني لم يأت بدوافع سياسية، هو فعل جيني متوارث ولين يجري مجرى الدم.
لن ينزع الحوثيون هذه الخصلة، لكنهم، ومن شدة تأثرهم بها، يحاولون تقليدها ومدّ عاطفتهم ذراعين زيادة، وفي الشأن اللبناني، أعلنوا عن حملة تبرعات، تخيلوا أن من يعلن تضامنه وتبرعه لضحايا الانفجار المرعب نتيجة تخزين نترات الامونيوم في مرفأ بيروت، هو ذاته من يمنع الفرق الهندسية الدولية من الوصول إلى خزان صافر المتهالك لصيانته، قبل حدوث كارثة تفوق كارثة اللبنانيين بكثير.
تهطل الأمطار الغزيرة على معظم المحافظات اليمنية، تدفق السيول جرف المزارع، وغزارة الأمطار أوقعت منازل، وهدت سقوفا على رؤوس ساكنيها، كل ذلك قد يعوض، ما لا عوض له هو فقدان اليمني نفسه، ففي محافظة مثل مأرب أخذت السيول أرواح 21 شخصاً، وكم كانت الصورة مؤلمة في الحديدة، لرجل تهامي أسمر يتأمل رجل جرفه السيل، وصار جثة ملقاة في الوحل، ولم يجد الحي أفضل إكراما للميت من تغطية عورته بالزرع الأخضر كبديل عن الملابس التي انتزعها السيل، هذا وضعنا في الداخل.
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس