الأنباء القادمة من عدن مقلقة، والأنباء القادمة من صنعاء أيضاً، نحن في المنتصف نتلقى الهلع من أذن ونتلقى الرعب من أخرى: عشرات الوفيات في عدن، زحمة في المقابر، وغموض حول ذلك مع إعلان الشرعية عن اكتشاف حالات إصابة بكوفيد19/ كورونا، الرقم قليل مقارنة بما نقرأ ويتسرب إلينا عبر صفحات الأصدقاء وصور الموتى التي تحتاج إلى عزاءات، وتشخيص مريب يقولون عنه ضيق تنفس ناجم عن التهاب رئوي حاد.
وحده المؤكد في عدن: أن المستشفيات نفسها عجزت عن استقبال مرضى، بعضهم لا علاقة لهم بالالتهاب الرئوي، وبعضهم ماتوا على الأرصفة، قريباً من برك المياه الملوثة التي أبقتها السيول، وعلتها الخضرة، لقد اختلط كل شيء بكل شيء تقريبًا، الحقيقة بالكذب تحديداً، كاختلاط مياه السيول بمياه المجاري، وكل ذلك يؤدي إلى كارثة.
في صنعاء، الوضع أكثر تعمية، والتكتيم أشد، وفيات كثر تُنشر صورهم في الفيس بوك، يقولون أن السبب ذاته لوفيات عدن، التهاب رئوي حاد، وقد أعلنت صنعاء اكتشاف حالة كورونا واحدة لمهاجر وجدوه ميتاً في الفندق، غير أن الشواهد المسربة التي تظهر من وقت لآخر تثير الرعب: مداهمة حارات، إغلاق شوارع لغرض تعقيمها، النزول إلى بيوت بمظهر مرعب، مسلحون يرتدون بدلات الوقاية والأقنعة والقفازات والكمامات وعلى أكتافهم الأسلحة، لجلب مشتبه بهم بأغراض كورونا، نقرأ شهادات مختلفة لأطباء من صنعاء تشير إلى تفشي كارثة فتاكة يجب التعامل معها بجدية وشفافية بالغتين، صحة صنعاء تستنجد بمنظمة الصحة العالمية لمساعدتها بشكل عاجل "بمائة ألف فحص كورونا"، وفي المقابل مازالت المعلومة غامضة، وذكرها بمصداقية تجعل رأس قائلها على فوهة البندقية.
التعامل مع وباء أعجز العالم، كأنه فضيحة، أو فاحشة تلحق العار بالجهة التي تسيطر على مكان ظهور الوباء، جريمة بحد ذاتها، لأنها تجعل الناس يتعاملون مع الوباء باستخفاف، فيقعون فريسة سهلة للمرض المميت.
منذ فترة والناس يتحدثون عن حالات مشتبه بها في صنعاء، مواقع محلية ووكالات عالمية تتحدث عن ذلك، ومع ذلك ينكر الحوثيون خشية تأويل الناس أنهم سبب انتشار كورونا.
وفي عدن، بدأ الفناء يتمدد بشكل مريب، وبدل مواجهة الكارثة بشكل جدي، راحوا ينشرون على مضض أن السبب أمراضًا أخرى: المكرفس، إلتهاب رئوي، حمى الضنك، وشيء غريب بسبب السيول، خاف المجلس الانتقالي الذي أعلن الإدارة الذاتية للجنوب، أن يتشفى به الناس ويقولون إنه سبب انتشار كورونا في اليمن.
تفكير التعمية هذا، وحجب الحقائق، ينم عن تشابه العقليات بين مكونات فوضوية تدعي قدرتها على إدارة الدولة، وتنفي ادعائها هذا من حيث أرادت استعراض قدرتها على المثالية وعنجهيتها الباطشة، لتضع مصائر اليمنيين على كف فايروس لا يُرى، ليرضى الممول.
أما الدولة المتمثلة في الشرعية الهامدة، فلا حول لها ولا قوة، هي فقط تستمع للانتقالي والحوثي، لتعلن بعد ذلك عن الإجراءات الوقائية والحاجة اللازمة للدعم.
عدم إسناد معركة مواجهة كوفيد19 لأهالي الاختصاص، ليتعامل الكادر الطبي بشفافية مع المعلومات، من الإصابة إلى المستلزمات العاجلة، جريمة بحق اليمنيين. وصلنا لإعلان 25 حالة إصابة، منها خمس حالة وفاة، ومازال ـ الناس ـ نتيجة تضارب المعلومات وعدم مطابقتها للواقع، غير مصدقين أن كورونا وصل اليمن، بل إن بعضهم يقول أن الإعلان يأتي من أجل الحصول على مساعدات من العالم، وأن الوفيات الكثيرة التي يذهب تشخيصها إلى "ضيق التنفس، الالتهاب الرئوي، المكرفس" ليست بسبب كورونا، بل بسبب السيول.
يا خبرة، لا نكره أن يكون ذلك صحيحا، وأن الإعلان عن "كورونا في اليمن" من أجل الحصول على مساعدات، لكن الاحتياط واجب، عند الأوبئة والمصائب الواحد يضرب حسابه أن "الخائفين من المعايرة" يخفوا المعلومات الخطيرة التي ستضر الناس انتفاعاً لسمعتهم، يموت من يموت ولا يقولوا كورونا انتشر بمناطق الحوثي، يموت من يموت ولا يقولوا انتشر بمناطق الانتقالي، يموت من يموت ولا يقولوا انتشر بمناطق الشرعية.
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس