أول مقال يقول لي أحد الأشخاص أنه استفاد منه، كان عن رمضان.
في الكتابة، قد تجد من يشيد بك، أو من ينتقدك، أو من يصطاد الأخطاء التي ترتكبها، قد تلقى تصفيقا حارًا من الذين يتفقون مع وجهات نظرتك إن كان ما تكتبه سياسيا، وقد تصادف الكثير ممن فاجأتهم بخيبة أمل فيما كتبت.. أما من يقول لك أنه استفاد، فهذا لا تجده أبدا، إلا إذا كان اهتمامك منصب للتنمية البشرية..
هذا المقال الذي كتبته، قال لي أحد القرويين أنه استفاد منه، جعلني أعيد نشره الماضي، وكنت قد نشرته العام قبل الماضي..
الاستفادة تلك، هي التي تجعلني متحمسا لإعادة نشره كلما اقترب رمضان، وهذا ما كتبته، أعيد نشرته، ربما يستفيد منه شخص آخر..
صبر ساعة الصفرة
لطالما حدثونا أن رمضان شهر الصبر، ونحن أصبر الشعوب على التافهين في الأشهر كلها، ولكن حين نرفع أصابعنا لا يصبر علينا أحد، كلهم يتسابقون على قطعها.
صابرون على واقعنا المأساوي، على وعود الحكومة بصرف رواتب الموظفين، على غباء المليشيا وهي تتجول في شوارع جائعة لباعتها المتجولين، على باطل المسلسلات، على بيانات الأمم المتحدة، على الكوليرا، على النواعم اللواتي يصغن تقاريريهن الزائفة لتظليل العالم عن الإنسان اليمني، وعلى موزعي قراطيس التمر.
بعيدًا عن هذا الصبر المحتم، رمضان يفضح الكثير ممن يطفحون قبل آذان المغرب، فيغضبون داخل المنازل.
تذكر، وأنت في منزلك بأنك إنسان وأن كل ما حولك يحس، وليس من الشهامة أن ترفع صوتك للتعبير عن رجولتك ولتحس بأنك مسيطر على جغرافيا عشرة أمتار في عشرة ، عهد السيطرة ولّى.
رجال يرفعون أصواتهم على زوجاتهم في ساعة الصفرة، هذه هي الساعة المقابلة لساعة الصفر، من اخترع هذه الساعة: الصفرة، هي بلا عقارب، ومرتبطة بالمعدة الخاوية، في هذه الساعة تكثر المشاكل، رجال تنتفخ أوداجهم في الداخل، يبثون الرعب في نفوس الساكنين..
لا حاجة لله لصائم لا يمسك لسانه. كيف بمن لا يتصدق بابتسامة على ابنته، أخته، زوجته، أمه، أو من يتعب في عمل طيلة اليوم، لتقوم وتقلب البيت رأساً على عقب لأنك لم تجد القداحة جوار علبة التبغ.
البلاد مشتعلة بالبارود، ونحن في شهر الصبر، وأنت تبحث عن قداحة.
لو مددت سجارتك من النافذة لاشتعلت، ومن المفضل أن تهدأ، كي لا تبدو إنسانًا منزوع الرحمة.
لا يليق بأحد أن يرفع صوته على امرأة في رمضان، في المطبخ أو بأي مكان، أو حتى بقية الشهور.
في رمضان الأصوات تنبعث من رواشن المنازل مع أدخنة الحطب المبللة، أصوات متسلطة على أصوات واهنة متعبة تخرج من المقاطير، كيف تصير قاسيًا هكذا وأنت الصبور على رزايا كبيرة حلت بالبلاد من سنين.
إذا لم يكن بك طاقة على التحكم بنفسك، فلا تصم.. نم، فنومك عبادة، ولا ذمة سعيد أبو الدجر.
غضب في ساعة الصفرة في الطرقات، في أسواق القات، شتائم مقذعة، ورغم أزمة المشتقات النفطية مازالت الأحداث المرورية سارية.
في ساعة الصفرة، ورغم أن الحرب أخذت الكثير من الأطفال، وشلت يد طفلة في تعز منقوشة بالحناء، مازال هناك أطفال يتلقون الضرب بسبب مرورهم أمام آبائهم وهم يلعبون، أو عدم الذهاب إلى الدكان لشراء السيجارة.
مد سبابتك والوسطى، قد تدخن بصاروخ بين أصابعك..
لا تفقد أسرتك لغضب تافه، يكفي أن التافهين من الحوافيش ومن لف لفهم، أفقدونا بلادًا من أعرق البلدان.
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس