لا أحد يعلم كيف يعمل العقل مع المرض، ومصدر هذا الغموض يأتي من استشفاء بعض المرضى من أدوية مزيفة، ربما يكون هذا التفسير هو سبب إصرار الرئيس الأمريكي ورهانه على كلوروكين لمواجهة كورونا "كوفيد19"، وهو الدواء الخاص بالملاريا.
الاحتيال على المرض، قد يكون العلاج الأنسب للتعامل مع الأمراض التي أعجزت العالم عن اكتشاف أدوية لها، أو حتى التي لها أدوية ولكن لم تنفع مع بعض المرضى، بكل تأكيد هناك مرضى لم يستجيبوا لأدوية مصروفة بدقة حسب التشخيص الدقيق للمرض.
أتذكر جدة أحد أصدقائي في البلاد، التي توقفت عن المشي بسبب وجع في الركبة ووجع في الرأس، تنقلوا بها من مستشفى إلى مستشفى، إلى العشابين العاملين في الطب البديل، حتى المقرئين والمشعوذين وصلت إليهم، كل ذلك ولم تقم الجدة إلا ليوم أو يومين ثم تعود لحالتها، وفي يوم ما، وأول ما وصل المشروب الغازي بعلبه الزرقاء "ديو" إلى السوق القريب، أخذ صديقي علبة ديو، ووضعها داخل كيس بلاستيكي أنيق وذهب إلى جدته، وأخبرها بكل جدية، أن هذا العلاج جاء به من الأردن، وأن الأطباء أكدوا على استخدام ملء الغطاء على الريق، ولئلا يفتضح فقد أوصى جدته أن تحتفظ بالعلاج الثمين في مكان آمن وألا تخرجه أمام أحد كي لا تصيبه العين "ويكترع".
أتفهم تعامل العقل مع الرأس، ولكني أجهل وصول أوامره إلى الركبة، لقد قامت جدة صاحبي وزال عنها الصداع ووجع الركب، وكانت وهي تذرع طرق القرية، تدعو لحفيدها وتدعو على عيالها.
يقول صديقي أن جدته كانت متصنعة، ولم أستطع تفسير له ما جرى، باعتبار ما قام به؛ حيلة طبية قديمة..
بدأ الطب باسقليبيوس، كما ذكر صاحب عيون الأنباء في طبقات الأطباء، وقبل وصول بقراط، كان الطب سيقتصر على سلالة اسقليبيوس، الذين تناسلوا خلف المؤسس الكبير ظلوا يتوارثون المهنة جيلا بعد جيل وفي كل مرة يحاولون تأسيس منهجية للطب، بدأوا بالتجربة، ثم القياس، "ولما ظهر مينس نظر في مقالات من تقدم، فإذا التجربة خطأ عنده، فضم إليها القياس، وقال لا يجب أن تكون تجربة بلا قياس لأنها تكون خطراً؛ ولما ظهر برمانيدس قال إن التجربة وحدها كانت أو مع القياس خطر، فأسقطها وأنتحل القياس وحده" هكذا ظل ورثة اسقليبيوس يحاولون فهم الطب لأجيال، حتى اختلفوا "وانفصلوا ثلاث فرق، فادّعى أفرن التجربة وحدها، وادّعى ديوفيلس القياس وحده، وادعى ثاسلس الحيل، وذكر أن الطب إنما هو حيلة".
الشاهد هنا، ما ذهب إليه ثاسلس، أن الطب حيلة، ولكن كيف؟ لا أحد يعرف.
من خلال الملاحظة، فطن المعلم الأعظم ابن سيناء للجمع بين "التجربة والقياس والحيلة" وإن لم يكن بهذا الشكل، انكبابه على الفلسفة واطلاعه على ما جاء به فلاسفة اليونان هي التي جعلته يستدعي عقل المريض في مواجهة ما يحل به.
في منتصف القرن الماضي، وحسب ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، أنتج فيلم روسي عن بن سيناء، يظهر ابن سيناء وهو يلقي التعليمات الاحترازية للوقاية من وباء خطير حل بالمدينة، بأمر الأمير كان رسله يذيعون التعليمات التي نسمعها اليوم للوقاية من كورونا: عدم الاقتراب من الآخر، غسل اليدين جيدا، والصلاة في البيوت، ما العلاج للمصابين بالوباء الغامض؟ أحد المرضى كان خائفًا، ينصحه ابن سيناء، العلاج: عدم الخوف.. ومضى يلقن المريض ويجعله يصرخ بأنه ليس مريضاً..
بما أن اليمن سجلت أول حالة إصابة في كورونا، أعتقد أن علينا أن ننفذ تعليمات ابن سيناء، عدم الخوف، والالتزام بالتعليمات الاحترازية..
تخويف الناس، وإعلان اليأس، وتعدد ضعف الإمكانيات لمواجهة الوباء، محبط.. وحين نُحبط من الداخل، نكون قد أسقطنا الصف المناعي الأول لمواجهة المرض.
كذلك، الاستهتار به والاستخفاف من مخاطره، قاتل أيضًا، لا تجدي معه "الحيلة" إذا انتشر كالهشيم، والعقل لن يصدق الديو..
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس