ما أن تأكدت من نومه، حتى وقفت على رأسه ونظرت إليه بحقد قبل أن تخرج المقص الحاد.. لم تتردد للحظة وهي تقص ظفيرته، ليواجه "شمشون" قومها بعد ذلك مهزوزاً منزوع القوى!
كانت تلك "دليلة"، المرأة التي قضت على "بطل اليهود الأسطوري" بجرة مقص!..
طالما نظرتُ إلى أسطورة "شمشون ودليلة"، في التراث الديني اليهودي، على أنها مبالغة سعى إليها رجال الدين لزعزعة المكانة التي كانت المرأة تحتلها في الحضارات القديمة. فقد كانت "الكاهنة" والقائمة على المعابد، قبل أن يُنزع عنها ذلك الدور..
لكن، هل امتلكت "دليلة" ذلك الدهاء، أم أنها كانت مجرد أداة استخدمها قومها للخلاص من عدوهم؟!
قد تطرح ذلك التساؤل، وأنت تتابع التقارير العديدة التي تحدثت عن "الزينبيات"- (الجهاز المخابراتي الموجه نحو المرأة اليمنية)- كما تم توصيفه، قبل أن تكتشف بانك قد تحتاج لبحث أكثر قدماً مما تعتقد!..
مازالت السلالة، عبر تاريخها في اليمن، تعمل على تهيئة المجتمع وتطبيعه، حتى تبقى على سدة الحكم. وإن لم يكن القمع والإرهاب وسائل متاحة، ستجدها تجاهد لتغيير الثقافة وطمس التاريخ والهوية اليمنية ما أمكنها..!
لطالما كان الدين هو الوسيلة المريحة لإخضاع الشعوب. وقد استخدمته السلالة بمنتهى المهارة. ربما كان أهم انجازاتها على الاطلاق "تشفيّع" اليمن، ومحاربة دخول أي مذاهب أخرى عليها، كالمذهب "الحنبلي" للإمام "أحمد إبن حنبل الشيباني"، أو المالكي للإمام "مالك الصبيحي"، رغم أصولهم اليمنية!..
يرى البعض أن المذهب "الزيدي" هو أقرب المذاهب لأهل السنة. في حقيقة الأمر قد يكون العكس هو الصحيح، ومازال المذهب الشافعي هو الأكثر تماهياً مع المذاهب الشيعية والطرق الصوفية القريبة اليه.
ليس من حقنا أن نأخذ على الإمام الشافعي حبه لآل البيت- للأمر معايير مختلفة بين شخص وآخر- حتى فَرَضَ الصلاة الإبراهيمية وجعلها ركن أساسي لا تصح صلاة لتاركها!. ليس ذلك وحسب؛ فقد أقرّ الإمام الشافعي في كتابه "الأم" بـ"تحريم زواج "الهاشمية من غير الهاشمي" بسبب عدم تكافؤ النسب!!.
مازالت الجماعات "الإثنية" تُصدر مثل تلك القوانين، وتعمل على تطبيقها بمنتهى الحزم. وقد رأت فيها ما يضمن نقائها وعزلتها عن المجتمعات المحيطة بها. إلا أن السلالة في اليمن استخدمت ذلك التحريم وفق مصالحها السياسية وضروراته!. فحين يمتلك اليمني قوّته لم تمانع السلالة باقترانها به أو بغيره، حتى إن كان مستعمرا عثمانيا، لتعود وتفرضه لحظات ضعف المجتمع اليمني وتفككه..!!
لن تجد أفضل من معارك جانبية- لا قيمة لها- لإلهاء عدوك عن أسباب قتاله، وإشعاره على الدوام بأنه أقل شاناً!. معارك رأى اليمني الآخر- من غير السلالة- بأن إنتصاره فيها، أو حتى التندر عليها، سيكون بمثابة انتقام صغير سيشفي القليل من غليل مظالم تقع عليه..
مازالت السلالة تتلاعب بتلك الفتوى، حتى فقدت بريقها، ولم يعد اليمني- بعد ثورة سبتمبر- يرى في فتاويها عدواً. كما لم يعد يميز بين امرأة اجهدها التعب في الحقول، وأخرى أبقيت في الخدور للمساومة. لكن السلالة مازالت مصممة على كونها العدو الأول لليمني، وعادت لاستغلالها القديم للنساء بأبشع الطرق الممكنة دون أن تدرك حقيقة ما تقوم به!. فليس من السهل إعادة إنسان بعد فقدانه روحه، وإدراكه بأنه كان ومازال مجرد وسيلة، "غاية" قد يطلب منه يوماً أن يكون مجرد غول، ويوم آخر توجب عودته لطبيعته؟!..
برغم الحروب المتعددة التي خاضها اليمني، إلا أنه حيّد المرأة بالمطلق، ونأى بها أن تكون طرفا في تلك النزاعات؛ تخرس الطلقات نهائياً حتى تعبر المرأة ساحة المعركة بسلام، اجلالاً واحتراماً لكونها إمرأة، أيً كان انتمائها، فما الذي يراهن عليه الحوثي، حين تمادى باستغلاله القديم، لينال من اليمنية في انتهاكات يندى لها الجبين؟!.
هل تعتقد السلالة أن ترديدها المتكرر باقتصار حربها على الأحزاب الدينية، سينقذها يوماً من الهوة التي سقطت فيها، نتيجة مرجعية أخلاقية يلتزم بها حزب هنا أو هناك؟!؛ أو أنها ترجو شفاعة منتمين الى سلالتها ضمن تلك الاحزاب؟!.
للتوضيح فقط: لا تواجه السلالة أحزبا وتنظيمات، بل تواجه شعبا امتلك، أخيراً، ذاكرة أكثر توثيقاً وحساسية ممن سبقه.. ولا يرجع صمته اليوم عن يأس وخنوع، أو حتى تجاهل، كما تظن السلالة!..
يحدث: أن تصمت الشعوب، حتى تتمكن من انضاج غضبها. فالشعوب لا تميل للإنفعالات النيئة، فاقدة النكهة. وحين تحين اللحظة التي تراها مناسبة، لن تنتقض منفردة.. لابد وأن عادتها القديمة ستثور معها.. وطالما كان "الثأر" أسوأ عادات اليمني!..
لم تترك السلالة خطيئة إلا وقامت بها؛ لكنها تخطت الحدود بما ارتكبته- ومازالت- في حق "المرأة" اليمنية!!. لعلها اسقطت جزء من ذاكرتها، وتناست بأن معركتها مع اليمني لم تتوقف، وإن صالت في جولات..
فمازال النصر بين يديه، لا يفصله عنه سوى مسافة "أيام"، وقائد مخلص!..
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني