توفي الصديق عبد الناصر في صنعاء، الشاب المهتم بنشر المرح في وقت الشدائد، القروي الأنيق الذي درس ووجد نفسه في العاصمة، يذرع شوارع المدينة ويستقر فيها كموظف في إحدى الشركات الإلكترونية. كان يستقبل أمه وأباه بملامحهم الريفية التي تخفي تاريخ النضال والاكتداح في تلك التجاعيد، يجلس بين أمه وأبيه مستندًا بكتفيهما، أب بردائه الشعبي وظُلة أمه السعفية على رأسه، والعالم منشغل بأحداثه المشتعلة، والبلد تعيش الوضع المعقد، وفي العاصمة الواقعة تحت سيطرة المليشيا، ينشر عبد الناصر صورته تلك.
وسط الأحداث اللاغبة، وفي لجة أحزانه، لا ينسى صاحبنا أن يكون مرحًا، وفي بعض الأوقات كانت روحه المرحة تظهر وسط مشاعره الحزينة التي جلبتها الحرب أو تداعيات الحياة في هامش الحرب الضروس!.
الشاب المميز ببشرة الجبل، ولكنته المحببة المكتسبة من جبل حبشي في تعز، ظل على ما كان عليه، بسيطًا، خدومًا، ينشر المرح ببشاشة عصافير الأودية، يتأنق ويذهب للشركة ليعمل.
لم يذهب إلى الحرب، وبما أنه يذهب للعمل، فيبدو وكأنه بعيدًا عن الموت، أصدقاء آخرون كان الإبداع عندهم ملكة تسكن أصابعهم، مغتربون ويكتبون بأسلوب أخاذ، صديق آخر مثل عماد المخلافي، وبما أنه مغترب بعيدًا عن البلاد، فيبدو هو الآخر بعيدًا عن الموت، قريبًا من الحياة.
عبد الناصر الجعادي وعماد مخلافي، شابان من تعز، أصدقاء لم ألتق بهما، ولا شك، هما ثائران يمثلان أحلام الثورة الشبابية ومبادئها، وهما من أأنق الشباب، مع أن انتمائهما لريف يجعل من بعض الناس يظن أنه بعيد عن ذلك الطراز من تلك الأناقة الرفيعة.
عبد الناصر من جبل حبشي، وعماد مخلافي، من مخلاف شرعب السلام.
عبد الناصر كان يعمل في شركة في صنعاء، احتجت لبعض الإلكترونيات، تواصلت معه دون أن ألتقي به، لم يتوان بإبلاغي على قدرته أن يوفر تلك الأشياء بسعر لا يوجد عند أحد، سيستخدم تلك الميزة التي تمنحها الشركات لموظفيها فقط.
من الريف إلى العمل، الأسرة والافتخار بها، وآلام الحياة، ثم توفير وقت لنشر المرح في هذا العالم، والمتابعة المستمرة للأصدقاء الافتراضيين.
يستغل طاقته للسعادة، وهنا لا بد من الإشارة إلى الارتباط الفلسفي بين الموت والسعادة: "إن تقليداً فلسفيا مستمرًا، حيث نعثر على حد سواء في الأبيقورية (الموت لا يعني لنا شيئًا) كما نعثر في المسيحية (أن يسوع انتصر على الموت ببعثه) هكذا يوضح هذا التقليد أنه للعيش بسعادة ينبغي التخلص من الخوف من الموت" من كتاب الفلسفة في 100 كلمة.
عندنا يقولون: هي موتة.. أتقدمت أو تأخرت.
هذا المبدأ الشعبي يبدو جزءا من الفلسفة، قد يرتبط بالشجاعة، ولكن كثيرون يأخذونه للتعبير عن العيش بسعادة بربطها أحيانًا بملذات الحياة، قد تجد مفلسًا يذهب ليأكل اللحم ويشتري القات الفاخر ولا يدخر شيئًا عند حصوله على مبلغ ما، وحين يتعرض للوم يقول: آخرها موتة!
لا أحد يريد الموت، وعندما تجد أناس بعيدين عن تداعيات الرحيل، تظن أنهم في مأمن!
كان عماد مغتربًا في المملكة ينشر خواطره الإبداعية ويفكر في تجديد الإقامة ربما.
وكان عبد الناصر، موظفًا في صنعاء..
ليس هناك جبهات حرب.. كانا في سعادة رغم الأوجاع التي تظهر لماماً.. كان الموت ينتظرهم في الطريق.. بحوادث مرورية في مكانين منفصلين وزمنيين منفصلين.
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس