يعلم كافة سكان الحي أنه كان في إحدى الجبهات، وأن مقتله- على الأغلب- وقع فيها، إلا أن عائلته مازلت تصر على تلفيق قصة واهية، تنفي عن ابنها شبهة التورط مع ميليشيا الحوثي!
قصة تشعرك بالسقم. لكنها الحقيقة التي لن يمر وقت طويل حتى يصبح الإنضمام للحوثي مفخرة، حتى لأولئك الذين سبق وكانوا كارهين ومعارضين له..
أغلقت عصابة الحوثي كافة الخيارات على المواطن اليمني الواقع تحت سيطرتها، لتجعل من الجبهة خياره الوحيد. مفارقة غريبة لكنها الواقع؛ إما أن تحظى بفرصة النجاة من الجبهات المستعرة، أو تفارق الحياة بلا كرامة!.
لعلنا وقعنا في خطأ جسيم حين اعتقدنا أننا نواجه إحدى صور الإمامة القديمة في ميليشيا الحوثي. نحن أمام عصابة تدرك تماماً ما تقوم به. وعلى ما يبدو أنها استخلصت منهجية وتجارب العديد من الأنظمة القمعية والديكتاتورية قبل أن تقوم بانقلابها. فبينما تمارس عملية إخضاع المواطن بكل الوسائل المتاحة؛ من قمع وتنكيل؛ مازالت تلهيه عن ذلك باختلاق المشاكل الجانبية واعدام وسائل الحل لها أن وجدت.
لم تعد الميليشيا تعتمد على فكرة السلالة المختارة- علناً على الأقل- حتى وهي تمارس عملية تجويع واذلال الشعب اليمني. مازالت تغري غيرها- وهي تبني قصورها- بافساح مجال الفساد وتجربة الانضمام إليها.. "بعض التنازلات تستحق العناء"، يقول المنضم حديثاً للميليشيا!..
مخطىء من يظن أن تباكيها- بسبب ما تسميه "العدوان"- بكاء حقيقي. فلن تجد أكثر منه وسيلة لاسترزاقها، ولفتح باب إنضمام العديد من الشباب لصفوفها، كونها "الجماعة الوطنية الوحيدة التي تسعى للحفاظ على لُحمة الوطن"!.
وفوق كل ذلك، مازالت الميليشيا تروج لنفسها عبر الدورات التثقيفية، وتغيير المناهج الدراسية لإنشاء جيل جديد يؤمن بفكرها، ويعمل كحاجز صد ضد أي ثورة قد تخرج عليها.
لعل الاتكال على نشوب مثل تلك الثورة- على المدى القريب- ضرب من الوهم، فاستنفاذ رصيد شعب من الإنتظار، لا يقود بالضرورة لثورة، فاليأس يصنع أشد المقاتلين اخلاصاً وتوحشاً.
ليس من السهل إبقاء المواطن في وضعية الإنتظار المحايد، لابد وأن يأتي يوم ويميل للجانب الأقوى. حتى وأن كان ذلك الجانب هو من مارس القمع عليه من الأساس، انتقاماً من الطرف الذي تخاذل عن نصرته، أو ترجيحاً لكفة من يمنحه القدر الأدنى من شروط الحياة..
راهن الحوثي منذ البدء على دولة تتوقف حدودها بين عمران وصعدة، إلا أن الشرعية، الخصم المباشر له، بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية، منحاه من القوة وخيارات فرص نصر لم يكن يتوقعها. ورغم ذلك مازال يدرك أنه لن يبقى على سدة الحكم لفترة طويلة، منفردا أو بذات الخارطة على الأقل. لذلك ستجده يجاهد لتحسين شروط مفاوضات الغد في محاولة للخروج منها بأقصى قدر من المكاسب..
فبينما تهيئ ميليشياته في الداخل فكرة بقائها الدائم، تستمر الأصوات المتحدثة باسمه في الخارج بعملية تسويقه إقليمياً وعالمياً. وقد راهنت على ترجيح كفته كبديل مناسب في ساحة سياسة فارغة، إلا ميليشياته، ومن "حزب الإصلاح" القوة السياسية المتبقية فعلياً في المعادلة اليمنية، والتي أظهر العالم جلياً أنه لا يفضل التعامل معها.
لا يعمل الحوثي وحيداً في ترسيخ هذا الوضع، مازال الدور الإقليمي السيء، الذي تم استدعاءه الى الساحة اليمنية، هو المتحكم بساحة المعارك، والطرف الذي لا يستهان به في تحجيم دور الشرعية المتقزم فعلياً جراء فسادها..
دائرة يراد لها أن تبقى مغلقة على أهداف أصحابها، مما يجعلنا نطرح تساؤل مهم: هل أغلقت الخيارات على الأطراف اليمنية المعنية بالحفاظ على الدولة اليمنية، وتم وضعها رهن "الانتظار" هي الأخرى، حتى تصاب باليأس، وتخضع لتنفيذ تلك الأجندات؟! أم أنها مازالت تملك بعض من خيوط تضمن أو تراهن بها على بقائها؟!..
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني