في السابق كان المسؤول يتحدث عن محاربة الفساد فيتحسس المواطن أجيابه..
كانت محاربة الفساد إستراتيجية المسؤولين لدغدغة مشاعر المواطنين، وكثيرًا ما كانت تُستدعى هذه الإستراتيجية عند الانتخابات.
علي عبدالله صالح نفسه، وبعد مُضي أكثر من 26 سنة على تقلده الحكم، قال أثناء دعاية الانتخابات الرئاسية 2006، أنه لن يكون مظلة للفاسدين، لقد قرر في لحظة استعطاف الجماهير تحجيم الظل والانفراد به، وكأن النسمات الباردة لامست أوصاله المنهوكة فغفا، كأنها كانت غفوة طويلة من أول يوم وصل فيه الحكم، تكاثر المتسظلون فأتعبوا المظلة، ليتنبه من غفوته الطويلة عند الانتخابات!.
مرت السنوات، لم نر فاسدًا في القفص، ولم نسمع عن فاسد تاب، حتى بعد إعلانه ذاك بأنه سيزيح الفاسدين من تحت المظلة، لم يتغير شيء، الجرعات السعرية توالت، امتلأ البحر بطرق المهربين، وامتلأت مؤسسات الدولة بالفاسدين الذين نالوا ترقيات ودخلوا إلينا لتبييض أعمالهم.
وفي كل مرة يسمع المواطن نغمة محاربة الفساد، يتحسس أجيابه..
انقلع صالح من منصبه وانقلعت أجياب المواطنين، كان الأمل بثورة الشباب كبيرًا، مازال صالح في الظل ومازال الفساد متغلغلا في الدولة، تدخل الثورة في غِلاب مع الفساد، لتجد نفسها في جرف هائل اسمه الانقلاب..
فاسدون جدد يطلون إلى الواجهة، يتحدثون عن القرآن، يغلقون المطاعم، يشيدون البنايات في أيام، ويؤسسون شركات لسحب بساط الفساد من تحت من استظلوا مع صالح، يسحبون المظلة نفسها ويتخلصون من صاحبها، ويجذبون فاسدين جدد تاركين في الظل بعض الفاسدين السابقين، من باب تناقل الخبرات.
توزع الفاسدون، صنعاء عدن، بلدان الغربة، توالد فاسدون صغارا في أنحاء الجمهورية، لقد وصلنا للأسوأ: خلع المواطن ذلك الرداء الذي كان يحوي على جيب في الماضي..
لم يعد للمواطن ما يخسره، ولم يعد هناك انتخابات لاستدرار عواطف اليمنيين بحملات ضد الفساد، وعليه فإن أخبار اجتماعات الحكومة الراهنة وتركيزها على محاربة الفساد، يعيد الأمل للمواطنين، يخلق فيهم شيئ من الثقة: سيحاربون الفساد دون أن ندفع الثمن.. هذا شيء لم نألفه من قبل يقول المواطن، أما تصريح رئيس الحكومة معين عبدالملك فقد كان جيدًا أن ما يحدث: يرسم مسارًا قوياً للاقتصاد اليمني ويشكل أرضية صلبة لأي حكومة قادمة..
أكثر من اجتماع للحكومة في الأيام الماضية، كانت مركزة على محاربة الفساد، يقولون أن هناك من اشمأز مما تقوم به الحكومة وأوجعته هذه القرارات، من الطبيعي أن نسمع بوجع الفاسدين، هل ننتظر منهم التصفيق؟
على الحكومة فقط أن تثبت قوتها، الأراجيف ستنكشف عندما يشعر المواطن بانعكاس الأوضاع على مستوى المعيشة، وتلك اللمزات المناطقية أو المتحاملة على أحلام الثورة ستنتهي، كما تتلاشى هذه الأيام دون جهد..
ستتضح قوة الشرعية من خلال توفير الدعم اللازم لبرنامج الحكومة.. وما إذا كان هناك دعمًا حقيقيًا من الرئيس أم لا؟ وستتضح مصداقية الحكومة نفسها من خلال الإصرار على توجيهات الاجتماع الأخير الذي قرأناه: تشكيل لجان ميدانية من مصلحة الجمارك والجهات الرقابية والأمنية للنزول الميداني إلى المنافذ الجمركية والبرية والبحرية للقيام بعملية الرقابة والاطلاع على سير عملية التحصيل والتوريد إلى حساب الحكومة، وإحالة المخالفات إلى نيابة الأموال العامة والقضاء لاتخاذ الإجراءات اللازمة وكذلك التنسيق المشترك للحفاظ على المال العام وتعظيم موارد الدولة وإحالة مرتكبي جرائم الفساد إلى القضاء بشكل عاجل.
تخيلوا يتم محاكمة فاسد كبير.. تخيلوا أحد الفاسدين يتوب.. تخيلوا حدوث تحسن ملحوظ في الاقتصاد وانعكس ذلك على المواطن بسيط.. لأننا نعلم أن الفاسدين أباطرة، وأن المعركة صعبة، فعلى الحكومة أن تحاكمهم "بالسكتة" خشية الفضيحة، وسيكون التحسن الاقتصادي بيان محاربتهم. سيكون انتصار عظيم لا يقل شأنًا عن الانتصارات العسكرية، ستكون بارقة ثقة للحكومة وللرئيس وللتحالف رأسًا..
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس