يقولون: الشيطان يكمن في التفاصيل..
من أين جاء هذا التعبير، وكيف تحول إلى روسم يغري الكتبة والمحللين؟
عقب كل تطور في الشأن اليمني، نجد الشيطان وقد صنع كمينًا، لا نكتشفه، وإنما يقال لنا أنه مخبوء في التفاصيل. ويأتي بعض أهل النبوغ والأرب ليستخلصوا الأشياء الخطرة من وقائع يسيرة، ويستخرجون من سطور الاتفافيات الشيطان وذريته وعيال عمه أيضًا..
الولع في التفاصيل والتدقيق بها أحيانًا يتحول إلى مرض، وحين تكبر مبالغة التدقيق يتحول المدقق إلى شخص موهوم، غير أن الوهم أحيانًا يكون من سمات العبقرية، كما في حالة "جون ناش" الدكتور المصاب بالفصام والذي حصل على نوبل في الاقتصاد، قصته الملهمة ألهمت السينما الأمريكية بفيلم رائع اسمه "عقل جميل".
رغم عبقرية جون ناش، إلا أنه كان يظن أن هناك مهاجمين يتواصلون عبر رموز مخبأة بين سطور الجرائد، تكتظ حياته بقصاصات الصحف، يأخذ من هنا حرفًا ومن هناك كلمة، ويتوصل إلى ما ظنه ميعاد الهجوم الواسع على أرض الميعاد، كل ذلك وهم في وهم، وكان تدقيقه في التفاصيل واستخلاصه للخطورة نتيجة لهواجس نفسية ليس إلا. كان يتوهم الخطر يحدق بامرأته الجميلة الذكية التي ساندته في هذه المحنة حتى آخرها، في النهاية آثر الانسحاب من صراعه مع الوساوس بعدم تغذيتها بالانغماس في التفاصيل المرمزة بالصحف، بالرغم من ملازمة الوساوس له.
من الغباء أن نصف المدققين في تفاصيل معضلتنا اليمنية، بالعباقرة، وإن كان تدقيقهم وهم، بالرغم أن هناك محللين أذكياء لديهم البراعة التي تؤهلهم لاستنباط تفاصيل نجهلها، هذا الصنف ليس الذي نتحدث عنه، المقصود هم البعض الذين فتشوا فجأة على الناس، ووجدوا أمامهم لوحة مفاتيح، وساعدتهم مواقع التواصل على الانتشار، فصاروا نخبة مرة واحدة..
الشيطان الذي يكتشفه نبيل الصوفي بين الفينة والأخرى، لا وجود له.
الشيطان الذي يأتي به الشرفي والصف المماثل له، من تفاصيل الآخرين، واضح أن استحضاره يأتي في جلسة ممولة البخور، يحضر لغرض سياسي ليس إلا.
أما شياطين البخيتي فقد أعجزت العالم من كثرة "التقفاز" باكتشافاته، دقق في تفاصيل الأحزاب وحين اكتشف خطرها تأصل في صفوف الحوثي، عاش في تفاصيل المليشيا وحين شعر أن الشيطان يسد محله، قفز إلى الشرعية، من هادي إلى محسن، لم يخلُ له الجو، مضى في عراك مع الشياطين، يشيد بالمجلس الانتقالي ثم يمسح به الأرض، ويستمر في مسيرته حتى يبلغ به "عزازيل" مرتبة شيطانية كبرى، فبعدما كان يبدو أنه ينجو بمواقفه بالتدقيق في تفاصيل المليشيا والسياسة والاقتصاد، وصل هذه المرة إلى الدين، لتنطلق عاصفة النكت من الموقف الأخير للرجل..
نكتة متداولة:
رابطة الملحدين منحت البخيتي استمارة لتعبئتها، جاء ليكتب "ملحد" فكتب "ملحداء".
لأنه من الحداء، والنكتة تكشف عن طبيعة اليمني واستعصائه على مخالفة فطرته، رغم ما يقال عن الرجل، وخلو منطقه ـ على الأقل حتى الآن ـ من الإلحاد.
قرأت قبل فترة، قولًا أعتقد أنه للشعرواي: الإلحاد الصارخ، أحسن من التدين المغشوش!.
الخلاصة أننا لم ندقق في تفاصيل البخيتي، لنكتشف الشيطان، مع أن الظاهر في التفاصيل هو البخيتي نفسه..
أما تفاصيل نجاة الشيطان من طوفان نوح عليه السلام، فهناك رواية طريفة أوردها ابن الأثير في مصنفه: الكامل في التاريخ، قال: كان آخر من دخل السفينة الحمار، فلما دخل صدره تعلّق إبليس بذنبه فلم ترتفع رجلاه، فجعل نوح يأمره بالدخول فلا يستطيع حتى قال: ادخل وإن كان الشيطان معك، فقال كلمة زلّت على لسانه، فلمّا قالها دخل الشيطان معه، فقال له نوح: ما أدخلك يا عدوّ الله؟ فقال: ألم تقل ادخل وإن كان الشيطان معك؟
الشيطان تعلق "بسبلة الحمار" فنجا. وكثيرون تعلقوا "بسبلة" الشيطان، فضيعوا البلاد..
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس