نحاول عبثًا الدفاع عن رئيس الوزراء، ليس لأن الدفاع عن مسؤول في الدولة محكوم بالعبث، ولا لأن الاصطفاف مع مسؤول بعاطفة مناطقية يفشل، ولكن لأن المرحلة نفسها تقضي على نجاحات أي مسؤول نزيه وإن كان في منصب متقدم..
نصيح من الأوضاع، نهتف ضد سياسات الشرعية، ونعترض على ظهورها الهزلي أمام التحالف كتابع ليس له إلا أن يهز رأسه أمام الكبار، لذا سيحكم علينا الآخرين بالتناقض إن قلنا كلمة إيجابية بحق الرجل.
تابعت تداولات بعض أبناء تعز لتقرير مدبج بالأرقام حول تحركات معين عبدالملك وأنشطة حكومته في المجال الاقتصادي، الأرقام جيدة وإن كانت كمنح وقروض للحفاظ على الوضع الإنساني في اليمن، وتشي بجهد كبير يبذله معين بدبلوماسية رغم السياسة الكارثية للمشهد اليمني ككل..
أحدهم قال لي بأنه ينبغي الوقوف مع رئيس الوزراء والدفاع عنه من الهجمات المناطقية التي يتعرض لها، أشياع المجلس الانتقالي في الجنوب يهاجمونه وفي الشمال يهاجمه الحوثيون وكذلك بعض المحسوبين على الشرعية، يرُجع ذلك لأنه من تعز وليس من غب الجنوب ولا من غب الشمال..
اعتدنا على خلو المناصب العليا من أي تعزي، على الأقل الأربعة المناصب الأول: الرئاسة، النائب، رئاسة الوزراء وزارة الدفاع، وفي فترة ما من الثلاث السنوات الأخيرة، كنا نشعر بظلم حين سمعنا بإزاحة قائد عسكري هو عادل القميري من قيادة أحد الألوية، واجتاحت العاطفة المناطقية مواقع التواصل الاجتماعي وهم يرون أن القرار يستهدف تصفية المناصب القيادية من أبناء المحافظة..
مرة أخرى ستسيطر العاطفة التعزية على بعض التعزيين وهم يرون قرارا جمهوريًا بترقية أحد القيادات العسكرية هو سمير الحاج وتعيينه في منصب بوزارة الدفاع، ثم بعد ذلك تعيينه قائدًا لمحور تعز، لنبدأ بالاختلاف حوله بعد أشهر فقط من تعيينه وإلقاء التهم عليه، من قبيل: التقاعس في تحرير المحافظة، وهذه أقل تهمة يمكن أن يرميها ناشط مدني متبرم من الوضع..
تعيين الدكتور معين عبدالملك في رئاسة الوزراء، سيشعرنا بنوع من الرضا، لنمسك على مكابح المظلومية الجهوية، إذ كانت الرحلة شاقة ليصل التعزي إلى هذا المنصب، شعور ما كان ينتابنا أن هذه ثمرة الهتافات، وكان الخطأ الفادح أننا شعرنا بعدالة تحاصص المناصب على أساس مناطقي: شمال، جنوب، وسط، دون النظر إلى مؤهلات الرجل وأنه قادم من بيئة الثورة التي جمعت كل اليمنيين وأذابت كل أنفاس المناطق..
حالنا يقول: معا وصل معين للمنصب إلا هذا الوقت..
والمرحلة تقول: أن من يصل للمنصب بهذا الوقت، عليه أن يتحمل تبعات القيادة وتداعياتها، عليه أن يؤمن وإن كان نزيهاً ومحنكًا، أنه سيتعرض لسيل من الدعايات والشائعات والشوك ورغبات الفشل، وأنه إذا لم يهز رأسه للكبار بكل شاردة وواردة ستقوم الحملات الممولة والبريئة لإفشاله، سيتهم بالأخونة حينًا، بالتبعية لنائب الرئيس، بالفساد مع رئيس الشرعية، وسيخرج المتحاملون الفشلة عن النص بنبرة مناطقية ساذجة..
حجج كثيرة تجعلنا نتغاضى عن الدفاع عن المسؤولين. وكثيرًا ما نتبنى الاتجاه الأيديولوجي تجاه الشخص المسؤول لنصطف معه أو ضده دون اعتبار لفشله أو نجاحه، صلاحه أو فساده، من إقليمنا أو من إقليم آخر، وهذا الاعتبار يجعل البعض في تعز يقفون في صف من يهاجم معين..
ما حققه معين يبدو جيدًا، لكن الناس لا ينظرون للأرقام في ظل وضع كهذا.. ما سيلجم الآخرين هو تحسن الوضع المعيشي للمواطنيين ككل، وإظهار الشرعية من الرئيس إلى الحكومة بمظهر قوي وحازم كند لا كتابع.
أما سبل الدفاع عن تعزي وصل لهذا المنصب وبدا ناجحاً في هذه الوقت، فتتلاشى تدريجيًا بحكم المزاج العام لليمنيين، نحن التعزيون بالذات، نشعر أننا في ورط مختلفة "جمع ورطة"، ورطة المناصب الحكومية خارج المحافظة، ورطة المناصب داخل المحافظة مع الفساد وخمولها في تحرير تعز، ورطة الدفاع عن المسؤولين في الحكومة أمام الهجمات المناطقية، وورطة الهجوم على قيادة المحافظة نفسها في وقت تتعرض المدينة لهجمات حقيقية من الحوثيين، وفي المقابل مستعدون للتضحية بكل شيء، المناصب والمكاسب والأرواح، والتسامح مع الجميع، مقابل أن يكون لنا وطن، وننسى كل شيء مقابل أن نسمع مديحًا لتعز: أمانة أبناء تعز رجال، تعز الثقافة، تعز العلم!..
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس