مازالت الأجيال تتوارث عيوبها، قلت هذا لنفسي بعد أن رفعت السجادة في إطار حملة " تنظيف دورية" كنت توقفت عنها حين اعتمدت على غيري، التاريخ يعيد نفسه بمنتهى الفجاجة ولن تتوقف الصغيرات عن إخفاء الأوساخ والأتربة في غفلة من الأهل تحت السجادات، لكي تتأكدوا من هذا الأمر ما عليكم سوى رفع أطرافها قليلاً.
يفترض أني في حالة نقاهة بعد أحداث الانقلاب الأخير في عدن استعدادا لآخر، - من المسلي أن تحيا في فترة تاريخية تركزت فيها انقلابات العالم في محيط بلدك -، لكن ذرات الغبار المتراكمة تحت سجادتي اعادتني وبمنتهى القسوة للتفكير فيما جري ويجري على الساحة اليمنية، البعض يبحث عن طريقة للانتحار بطريقة غير مباشرة ولن يجد أفضل من متابعة أخبار اليمن لتنفيذ خططه!
متى تراكم هذا الغبار، وكيف اختفى عن بصري؟!، سالت نفسي وأنا امرر أصبعي على ذرات الغبار، ما اشبهه حال أرضية الديوان تحت السجادة بأرض اليمن!، لم يكن أسوأ المتشائمين ليتوقع أن هذا يمكنه أن يحدث.
ربما لست دقيقة في هذا التعميم، فقد استبق شخص هذه الأحداث وهدد بحدوثها حيناً وساخراً حيناً آخر، لكننا رفضنا تصديق تنبؤات الرئيس السابق علي عبد الله صالح على الرغم من أنه كان الأكثر دراية بأحوال اليمن، ليس لأنه بالغ الذكاء أو يمتلك حاسة سادسة بل لأنه كان السجادة التي غطت اليمن طوال أكثر من ثلاثة عقود.
قد يغضب البعض لهذا التشبيه، وقد تمنع البعض كراهية عمياء للرئيس السابق من الاعتراف بحقيقة أننا لسنا بالطهر الذي كنا ندعيه وإن الرجل أخفى الكثير تحت حكمه، بقصد او من غير قصد، ربما لم يكن حرصه على مصلحة اليمن هو الذي جعله يقوم بدور السجادة الزاهية في المقام الأول بقدر رغبته بالبقاء على سدة الحكم أطول فترة ممكنة، على أي حال لم يكن استمراره بالحكم أو إزاحته عنه سيحدث فرق سوى اختلاف توقيت معرفتنا بما كنا نخفي، فلم يملك الرجل رغبة حقيقية في إزالة ذلك الغبار أو ربما لم يتمكن من ذلك.
أزيح الرجل من مكانه، وفارق الحياة لتختفي مع رحيله كاريزما هائلة لا يمكن للعدو قبل الصديق أن ينكرها، وتوقع المنظرين أن رحيله سيفسح المجال لظهور وجوه كانت تحجبها شعبيته إلا أنهم تفاجأوا بساحة رمادية فارغة، واتضح مع مرور الوقت أن وجوده هو ما كان يمنح معارضيه ومؤيديه على السواء بعض من تألق ولمعان!
قد يكون في مثل هذا الحكم قسوة على المعارضة التي واجهت صالح في السابق بمنتهى الجسارة، فقوانين حرب اليمن المعكوسة كان لها دور كبير في التأثير على ما كان متوقع منهم، يفترض بالحرب أن تخرج رجالها، قادتها الذين انضجتهم التجربة القاسية، هذا ما اعتادت الحروب التقليدية على القيام به بجانب القتل والتدمير، لكن هذا لم يحدث في اليمن وافرغت الصور القديمة من محتوى كان يظنه البعض فيها.
كنا من السذاجة في فبراير حين أيقنا بأن كل شيء سيسير على ما يرام بمجرد ترديد النشيد الوطني بإخلاص وتفاني دون أن نتدارك خطيئة تقليص مساحات اليمن بساحات الاعتصام واغفلنا حقيقة أن الاقسى من المؤامرات قد يحاك تحت ألوان الأعلام الوطنية، وهذا ما قام به الحوثي وجماعته حين تسلل للساحات متخفيا بشعارات الديمقراطية والدولة المدنية وجعل منها الطريق الذي قادهم الى صنعاء.
سيتهم الكثير الرئيس السابق بمساندة جماعة الحوثي في انقلابه نكاية بالشعب الذي تظاهر ضده وأرغمه على تسليم سلطة لم يكن يخطط لتسليمها يوما، قد يكون ذلك حقيقي بنسبة كبيرة، لكن صالح لم يكن الوحيد الذي مد يد العون لهذه الفوضى، كل ما فعله أنه أزاح جزء من سجادته نكاية بسذاجتنا، وترك لذرات الغبار أن تقوم بما توجب عليها فعله، وقد قامت بذلك بجدارة لا يستطيع أحد انكاره عليها.
مخطئ من يظن أن عقاب الرئيس السابق ابتدأ لحظة تمهيده " وغيره " لإسقاط صنعاء ومن ثم الوطن بأكمله، فقد أنجز معظم مهزلته حين اسقطنا كشعب بين الايادي الأمينة التي أصر على تسليمنا اليها وهو على ثقة بأن لا أمان لها، لن تجد أقدر منه في معرفة ما تخفي سجادته، ليتضح لاحقاً أن اتهامات الفساد والعمالة التي وجهت له ليست سوى ذرة صغيره تحت ركام من خلفه.
نال الرجل عقابه، سيقول البعض متشفياً، لكنه لم يكن المذنب الوحيد، من الجائر القاء العنصرية والمناطقية والحزبية التي مارسناها ضد بعضنا البعض على الرجل، وليس من اللائق التنصل من العمالة التي أصبحت مشاع وتهمة يسعى الكثير للالتصاق تحت بساطها، حتى جعلتنا نتأكد أن ما نعانيه ليس سوى جزء بسيط مما نستحقه.
يبدو الوضع بائس ومزري، وهو كذلك بالفعل، لكن نظرة بسيطة للخلف ستجعلك تدرك انها ليست المرة الأولى، فعلى مر التاريخ اليمني كانت هناك الكثير من لحظات سوداء غطت الأرض والسماء بعواصف هائلة لم تكتفي بحجب الرؤية بل حجب الامل أيضا، إلا أنها انتهت، فالأرض تطهر نفسها تلقائيا بالأقدار التي تتهيأ لها، وليس ما نواجهه في نهاية المطاف سوى مجرد غبار، ومصيره الزوال.
بالنسبة لي سأنتظر تلك اللحظة بقدر التفاؤل الذي سيمنحني إياه تنظيف سجادتي وقد عاهدت نفسي أن لا اركن لأي أيادي أمينة من الاقتراب منها مجدداً.
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني