«مزقتنا الحرب، فرقتنا» كم سنردد هذه الجملة ونكررها؟ أي ذنب اقترفناه لنعاقب ببؤس المصير؟ حسنًا فليكن ما يكن، وليحدث ما يحدث، سنظل نرى أن خروجنا في 2011، حسنتنا الوحيدة تجاه الوطن المنهوك، رأيناها ثورة مفعمة بالأماني والأحلام والطموحات، لم نرها ذنبًا.. كانت مغفرة.. كانت توبة عن صمت طويل تراكمت فيه سيئات النظام السابق وخطاياه..
أعدنا للأغنية إيقاعها، أرشدناها لدلالتها الضائعة:
نحن الشباب.. نحن الشباب..
كان اجتماع ألفة وأفكار، أقصد اجتماعنا في ساحة التغيير، كانت المليشيا الغل الذي تغافلت عنه المكونات السياسية، الغل الذي استغل سماحة الثورة، لم ننزعه، فارتدى قفازات الثورة المضادة ليحقق أهدافها اللئيمة.
تكالب خصوم أحلامنا، تساهلوا مع بعضهم لوأد ما خرجنا لأجله، ثم تضاربت أجنداتهم فذُبذِبوا، لا إلينا ولا إلى أولئك.
تفرقنا، مزقتنا الحرب، توزعنا على الجبهات أو عدنا للقرى، سلكنا طرق الاغتراب والاكتداح، ومازلنا نغني: نحن الشباب نحن الشباب.. لم نشتم أحد ولم نحظ بفرصة مواتية وظرف مناسب للاطمئنان على بعض.
وجدنا أنفسنا جائلين في حائط الفيس بوك، نعلق عليه الخيبات، الاقتباسات المبللة بالأسى، أردية المشاعر وقد أضعنا ذائقة الصوغ الجيد بفضل الحرب.
نلتقي هناك كلما سنحت الفرصة، نجتمع لنواسي بعضنا تحت صورة شهيد، ضياع زميل، مقتل أسرة زميل، تجمعنا التعليقات الروتينية... وكوامننا تفيض بالقهر، ونرفض إحناء العزائم تجنبًا لتشفي الخصوم، خصوم الثورة.
في هذه الخانة، وفي هذه المربعات المخصصة لمقالات الرأي، التقيت بمجموعة من الشباب الذين جمعتنا الثورة، المقرمي، عقيل، النهمي، وهمدان الحقب، وآخرون.
همدان في مأرب، تزوج وصار أبا، بعض الزملاء كذلك، المليشيا تقتحم الحقب، ترميها بقذائف من بعيد، تنهب وتسلب.. نتفاجأ بهمدان في مريس، في خط المواجهة، لست متأكد ما إذا كان يحمل البندقية، غير أنه كان يرى من بعيد منازل بلدته بلا أسقف، يسقط همدان جريحًا.
عند انطلاق عملية الحوار الوطني الموؤد، في 2013، كتبت في الفيس بوك:
"في احدى أيام 2011، كان هناك شاب يتحدث بعمق عن التركيبة الاجتماعية لليمن تارة، وأخرى عن سبيل الخروج من عنق الزجاجة الذي وضعنا فيه النظام البائد، كانت الخيمة الجامعة لشباب من مختلف التيارات، هنا الخيمة التي تختزل بلدًا بأسره. تنهمر الكتب والمجلات، ويحشر القراء ليلًا، أما في العصر فيحتدم النقاش الثري بين الشباب ومرتادي الخيمة من النخب، وفي الثلث الأخير يذهب من يذهب.. ذائقة عالية لهذا الشاب الذي يفهم رفقائه جيدًا، وما يريدونه من هذه الثورة التي آلت إلى حوار، انتابتني الغبطة عندما قرأت في الصحيفة الناطقة باسم الحزب الاشتراكي أن همدان الحقب ضمن قائمة الحزب الممثلة في الحوار.
كنا نتحدث عن الشعر، دلني همدان، وهو خريج كلية الآداب، إلى ديوان لنجيب سرور، لزوم ما يلزم.. هذا الشاب قارئ أحلامنا، كنا معًا، سيكون ناطقًا باسمنا، سيمشي في متن نص نجيب سرور:
قالوا قديمًا: ( لاتخف إن قلت، واصمت لا تقل إن خفت)
لكني أقول:
الخوف قواد.. فحاذر أن تخاف
قل ما تريد لمن تريد كما تريد متى تريد
لو بعدها الطوفان، قلها في الوجوه بلا وجل:
الملك عريان، ومن يفتي بما ليس الحقيقة
فليلقني خلف الجبل!."
في الجبل جرح همدان.
وفي الخيمة كان محمد اليزيدي يقابله.. اليزيدي حاول التسلل لأوروبا وقبض عليه الجيش الجزائري مع مجموعة من الشباب..
"أحزن للغاية حين أجد خبرًا حول رفاقي الذين جمعتنا آمال الثورة وتطلعات المستقبل، أحزن حين تتنامى أخبار مصائرهم، من هم في الداخل مشتتون أو في جبهات القتال، والبعض حاول أن يتسلل لأوروبا، غرقى في البحر، أو ضاعت أخبارهم، آخرهم مازالوا في الجزائر قيد الحجز..
خنقوا أحلامنا أنصار المضادة، خنقوها ويزعلون إن رأوا حركتنا بحثًا عن دفقة هواء لأمل في الرمق الأخير"..
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس