كنت قد توقفت عن التوقعات المتفائلة، التي تندرج تحت حقيقة أننا أمام حرب. واي حرب تصاب بالتعب وتستسلم في النهاية، وتحولت عنها إلى توقعات واقعية واسئلة منطقية، يخشى الغالبية من مجرد نطقها!!..
لم لا تكون السنوات الماضية مجرد بداية، وتمهيد أولي لساحة حرب حقيقية شاملة. لم نملك القوة لصد ما مضى فكيف نقف لما سيأتي ؟!، ألقيت بسؤالي عليها قبل أن تطرق رأسها للحظات وترفعه بنظرات غاضبة: "كُفّي عن الهراء، لقد اصبحتِ في قمة التشاؤم، هناك شيء ما يخطط، لا يمكن أن يكون ما يحدث عجز حقيقي، ستتحرك الجبهات قريباً، وسترين ذلك، أنهم في انتظار شيء ما لا أكثر"،..
زممت شفتي وأنا اهز كتفاي بلا مبالاة، لينتقل حديث صديقتي من حرب اليمن إلى أخبار الابراج وحظك اليوم. كانت الفلكية "ماجي فرح" هي المفضلة إليها، لذلك لم انبس ببنت شفة حين اشتغل الفيديو ..
لا أتذكر أين قرات مقولة: "هناك طريقتين لكي تُخدع، الأولى إيمانك بما هو وهم؛ والثانية انكارك للحقيقة!". وهذا ما تفعله القابعة جواري، كانت تعلم يقيناً أن بعض التوقعات لا تحتاج لمتنبيء حاذق بقدر ما هي نتيجة طبيعية لمجموعة من الحقائق والمسلمات التي ستقود لنتيجة محددة على أرض الواقع، إلا إذا صادفها ما يغير مسارها، لكننا أحيانا لا نقبل بالنتائج القاسية فنقوم بالبحث عن حلول وهمية بإحدى الطريقتين السابقتين ..
اتذكر حادثة لم يمر عليها وقت طويل، جارتي الحوثية تقف على درج العمارة، تشكو الغش الذي وصل إلى حد لا يطاق في المعاملات بين البشر، لم تعد تثق حتى في السحرة المعتمدين في مدينة صنعاء، بعد أن أصبحت حروزهم مجرد أوراق لا يعول على مصداقيتها. فهاهو زوجها يعقد قرانه للمرة الثالثة على الرغم من تنفيذها لكافة تعليمات الساحر، وارتشاف زوجها للجرعات المنصوص عليها بكل دقة.
كان بإمكاني اخبارها بأن المال هو "المقذي" الذي عكس به زوجها أعمالها السحرية. "الزلط" التي أصبحت متوفرة لديه بعد أن نهب هو وجماعته أموال الشعب، لكني أمسكت لساني. لا بأس أن ابتلع أفراد عصابات الحوثي المزيد من السوائل المغموسة بدم الضفادع، وأظافر التماسيح..
لم أكن الوم الهروب اليائس للبعض وبحثهم عن حلول سحرية، بعض التوقعات تكون متشائمة لدرجة لا ترضي طبيعة البشر، وإن كانت قريبة من الحقيقة. على سبيل المثال لم أكن راضية عن توقعات ماجي فرح لبرج القوس التي التقطتها في تلك اللحظة، ألم يكن مواليده موعودين بحظ وافر هذا العام، لتعامد المشتري على مسار الجدي أو زحل، لم اعد أتذكر ؟! ..
تركت توقعات ماجي فرح وعدت لما يحيط بي، من السهولة معرفة ما يحس به اليمني في الوقت الراهن، خاصة ذلك الواقع تحت سيطرة الميليشيا. فقد مر عبر سلسلة لا بأس بها من المشاعر ارتبطت بعضها ببعض. تجاوز اليمني منذ فترة معقولة مشاعر الخذلان، بعد أن رافقه الاستنكار والغضب شهور طويلة. كانت حالة الترقب والانتظار قبل ذلك هي المسيطرة عليه بعد أفول مرحلة التفاؤل الأولى للحرب، ليدخل الآن، وبعد أربع سنوات عجاف، في مرحلة اللامبالاة والتبلد اليائس..!
ربما سيكون التبلد مفيداً لنا خلال المرحلة المقبلة، فالجميع يعلم، وإن ادعى العكس، أننا حتى الآن لم ندخل المعركة الحقيقية، وما مر لم يكن سوى اظهار للعضلات لا غير. اتمنى ان لا يصاب أحدكم بالدهشة، أو يلقي عليّ الاتهامات جزافاً. انطفاء الحروب بحاجة لأسباب كما كان لاشتعالها. ولك أن تقف أمام أي مرآة تجدها لتلقي سؤال بسيط على الوجه الذي سيطل عليك عبرها: ما الذي تغير فيك منذ بداية الحرب؟!..
لا أقصد بذلك اللون الابيض الذي صبغ شعرك، أو الخطوط التي لم تكن سابقاً مغروسة على وجهك، لا اشير ايضا إلى تغيير حجمك، اما بالهزال الذي أصاب البعض من تخفيف وجبات غذائه أو السمنة المفرطة جراء الجلوس الطويل في المنزل، بل أعني بالتغيير الذي وقع على مشاعر انتمائك الحقيقية؟!..
ما الذي تغير فيك فعلا؟! هل مازلت تتبع ذلك الحزب وتمجده وترفع السلاح من اجله، مهما أضر ذلك باليمن؟!، هل توقفت عن صب لعناتك على يمني آخر، برغم ملاحم امتزاج دمائنا على ذات الأرض وعبر عدو مشترك؟!،
مازلت تحارب طواحين الهواء الوهمية دون أن تتزحزح مواقفك قيد أنملة، عملا بمبدأ أنك لا تغير مبادئك مهما تغيرت الظروف، أو توضحت لك ما خفي من صور؟!
لا أحب إلقاء المواعظ الدينية إلا أني مضطرة لذكر الآية: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"..
هذه هي الحقيقة البسيطة التي يرددها كل يمني، ولكنها للاسف لا تطبق عملياً برغم ادراك الجميع أن اختلافنا هو ما أدّى إلى وقوع الظلم علينا، واستمرار ذلك الاختلاف يبقينا في نقطة ما قبل الصفر..
لم يعترض أي من البريطانيين على رد تشرشل للمعترضين على معاهداته مع ستالين: "سأتحالف مع الشيطان من أجل الدفاع عن وطني"، من حسن حظنا أننا لسنا مضطرين للتحالف مع الشيطان، أو عقد صلح مع روح ستالين، فقط تناسي الخلافات القديمة والالتفات للعدو الوحيد الذي يهدد وجودنا سيكون كاف..
قبل ذلك لن تتوقف الحرب، فاستمر في حربك ضد طواحين الهواء، ابقي اشباحك القديمة ما شئت، لن تجد لنفسك حلولا مرضية سوى في قعر فنجان أو من خلال متابعة توقعات الأبراج وحظوظها، وقد تكون زيارة للساحر الذي لا تتوقف جارتي عن استشارته، عرض مناسب للباحثين عن الوهم..
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني