ماذا لو كان استقال صالح في الشهر الأول من الثورة؟ ماذا لو كان استقال بأي وقت وخاطب مشاعرنا، نحن الذين من السهل خداعهم بكلمة طيبة.
هكذا أسأل نفسي كشاب سكن ساحة التغيير أيام الربيع العربي، تنثال الكثير منها على المخيلة كلما لمحت خبرًا عما يفعله الجزائريون.
أستعيد الأمل، رغم السأم من انتظار الفرج بعد ثمان سنوات من الثورة، أربع منها في الحرب. كانت الآمال كبيرة معلقة على دولة وقانون وحرية، قبل التآمر على اعتساف آمال الشباب وأحلامهم وتضاؤل المشروع إلى "الفرجة".
الناجون من رصاص صالح، انقسموا بين مواجهين لمشروع الحوثي أو مشردين تراودهم نوبات الإحباط، ما يثبتهم على الثورة غير تشفي الآخرين بها.
ها هي الجزائر تعيد الأمل.. بوتفليقة يراوغ لمدة رئاسية جديدة، ثم يسقط أمام ثبات مطالب الجماهير، لم تعد الخطب العاطفية مجدية عند يصل الحلم ذروته وتندفع بقوة الإرادة.
إبان الثورة، كنا نتعرف على الكثير من الأفكار من رموز الجزائر، يحضر بن باديس، ويحضر مالك بن نبي في شروط النهضة، أحد الذين حظوا بزيارة إلى هناك كان يشدد على تشديد الباء "نبِّي"، مالك بن نبِّي، هكذا يلفظه الجزائريون، وهو المدقق لتفاصيل الآخرين تلافيًا لزعل مشاعرهم، حتى أننا خضنا نقاشًا حول التشديدة: لن يحنق الجزائريون لو نطقناه "نبي" بلا تشديدة، كما أننا لا نعير تشديدة الشاعر الكبير عبدالله البردوني اهتمامًا، قلة نادرة هي من تضع تشديدة على الدال لتنطق "البردّوني". وهكذا نروح لصناعة مقارنات بين الرموز.
ولا يتوقف الأمر هنا، في طريق الثوار الشباب لمعرفة العالم، ما بالك في بلد عربي أصيل، في الجزائر على سبيل المثال، لم ننس استدعاء جزائرية بعض الرموز أمثال ألبير كامو، ومناقشة تحفه مثل "الغريب" و "الطاعون" بل إن زيدان حضر بعد فترة في إحدى المجلات التي كنا نتابعها إبان الثورة.. مجلة ثقافية بورق مصقول.. أوف لو أن الخليج الثري صدر للبلدان العربية الكثير من المجلات الثقافية ذات الثراء المعرفي بورق مصقول ولماع واكتفى بذلك، كبادرةِ دعمٍ معنويٍ لآمال الشعوب العريضة بدلًا من العمل على وأدها.
وكما يقال بأن الحق يقال، لم نكن نعرف وقتئذ رياض محرز، غير أننا عرفناه الآن ونعده رمزًا باعتبار أن الشباب مرتبط بالرياضة أيضًا، كارتباط جزء كبير من النساء بالجمل العاطفية المقتبسة من الرمز أحلام مستغانمي..
وبين الرموز التي تتخلل هذه الأسماء، تبرز المناضلة جميلة بوحيرد..
أن تشاهد بوحيرد في صفوف الربيعيين في الجزائر، وكنت قد طالعت نزرًا من نضالها أيام الربيع العربي، فلا شك أن روحك الثورية ستتجدد، ستبتسم ولو كنت في لجة اليأس.
لا أستحضر الأسماء كلها الآن.. غير أن مشهدًا يحضرني للشاعر الجزائري الكبير مالك حداد، عندما رمى عقب سيجارته على البلاط وعاتبته ابنته، فرد عليها تقريبًا بأنه أمير في الدول النامية.
ها هي ثورة الجزائر تبدو أميرة على الربيع العربي، وتعلمنا كيف نرمي المتسلطين على البلاط..
بعد إعلان بوتفليقة استقالته، سألت نفسي: ماذا لو كان صالح اتخذ الموقف ذاته؟
لم أجب..
بعدها تلمس بوتفليقة اعتذارًا مشبوبًا بالعاطفة من الشعب الجزائري..
سألت: ماذا لو استقال صالح وقدم التماسًا مشابهاً بدل المواجهة والنكال والمراوغة والتشفي.
ظننت أننا سنتوقف عند هذه النقطة، وسيدخلون التاريخ كأبطال..
بعدها: خرج الجزائريون للمطالبة برحيل بقية الفاسدين..
أحد المؤتمريين، حزب صالح سابقًا، علق: هكه بطره.. الصدق..
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس