يريدون من عامر السعيدي تغطية عجزهم، أن لا يقترب من معنويات الناس، أن يتغافل عن الحقيقة، وكلما صدح بها بزفرة حرى لاموه، غير مدركين لحرقة المرء عندما يبتعد عن بلاده، عندما تُضرب بلاده بالحديد والنار، ترفض الاستسلام، تستبسل صامدة وتطالب بتكتيك عسكري بسيط لفك الحصار عنها.
مثلت حجور أمل اليمني لبدء عملية تحجيم الانتفاشة الحوثية في منطقة جغرافية مهمة، كانت ومازالت محطة ذهولنا، كتلة اللهب التي رأيناها في الجبل ظننا أنها التهمت الحجوريين، عته المليشيا بلغ ذروته ولخص حالة استعصاء حجور على جماعة الحوثي كما لخصت شجاعة الأبطال، الحوثيون يضربون بالصواريخ الباليستية على المنطقة، تأتي الصورة: غبار ولهب أحمر... يا الله.. انقشعت أركمة القصف ليظهر المقاوم الحجوري، ينفض الغبار عن عينيه ويحرس بلاده.
ينقل عامر كل شاردة وواردة.. المواقف الأسطورية لأبطال قفزوا أمام المليشيات، أوقفوهم وارتفعت أرواحهم للسماء.
المليشيا تقطع الاتصالات عن المنطقة، وعامر يتصل بأمه كل جمعة.
كان سيوران يتهكم من الشعراء، من تبرمهم بلا داع، من استدعاء حالات ألم لا يعيشونها والتغني بها، ومن تمكنهم من الفخر بآلامهم.
القهر الذي يصل إليه إنسان، يبدد حكمة الحكيم ورزانة الشيوخ.
وعامر، الشاعر الشاب الذي أبعدته الحرب عن بلاده، يتابع التفاصيل الدقيقة للصمود والخيانة، باهتمام الابن البار لا بمزاج الشاعر الباحث عن ألم يحوله إلى قصيدة.
اليمنيون شغوفون بأملهم الذي جسدته حجور، واحد من أبناء القرية قال إنه ينام، وعندما ينتبه أنه يقظ، فتح هاتفه متصفحًا صفحة عامر السعيدي ليتابع آخر التطورات، ثم ينام.
هكذا يتلجلج بين الفخر والاستياء، بين الإحساس بشجاعة التحرك الذاتي وبين الخوف من الغدر والإهمال.
مشائخ يتعاهدون بالصمود حتى القطرة الأخيرة من دمهم، خيانة في الجهة تلك، تقاعس عسكري في جهة أخرى، صمود أسطوري هنا، وإقدام هياب هناك، الأسرة الواحدة تلتقي في المترس أكثر من ائتلافها في القبيلة، يجب أن تأخذ وجهي الحقيقة، ما لك وما عليك، وإن كنت ستأخذ ما عليك بمضاضة أشد من وقع الحسام المهند، ألم يقل ذلك طرفة بن العبد لامزًا "وظلم ذوي القربى"، الظلم الذي تعرض له طرفة، أصغر مما تتعرض له حجور من ناحية الدعم العسكري على الأرض كما يرى الحجوريون.
لم يعتب أحد على طرفة، في مشواره الأخير نصحه خاله المتلمس بعدم مواصلة الطريق، كان كل واحد يحمل رسالة إلى المكعبر عامل الملك عمرو بن هند في البحرين، كان كل واحد يحمل حتفه، حين تنبه المتلمس لمضمون الكتاب عاد، أما طرفة فكان ظنه بالملك أكبر من أن يتشكك منه، دفع طرفة روحه ثمنًا لحسن ظنه بالملك.
لسنا في عهد طرفة، ولا في سير ظلم ذوي الأقارب، ولا في تأمل بوح الشعراء.
عندما يراود القهر رجلًا لوضع بلاده، فلا تلوموه على بوحه، على شتائمه للخذالين، ولا تظنوا أن أبناء منطقته سيزيحون البنادق عن أكتافهم خاضعين.
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس