استأثرت المواجهات المسلحة الدائرة بين الحوثيين من جهة، والمجاميع القبلية المقاومة لهم، من جهة أخرى، في بعض مناطق من حجور، بمحافظة حجة، الكثير من الاهتمام الإعلامي والجدل السياسي والعسكري،ة محليا وإقليميا، وقد ذهبت تفسيرات كثيرة ومتباينة للحديث عن أهمية هذه المواجهات، ونتائجها، والفائدة العسكرية منها، ولأي طرف تتجه.
الحقيقة أن القتال في هذه المناطق، خاصة مديرية كُشَر، كان أمرا متوقعا، في إطار المعارك المؤجلة، لا سيما في استراتيجية الحوثيين، التي ترمي إلى القضاء التدريجي على المناطق، التي تمثل مصادر تهديد محتملة. وعدم إثارة ذلك في الوقت، الذي لا تكون فيه تقديرات الموقف ملائمة؛ ولذلك لم يتجرأ الحوثيون على الدخول المباشر إلى حجور، خلال الأربع السنوات الماضية، كشأن أي مناطق أخرى مجاورة.
فمثلا، مديرية كشر، التي تمثل منطقة حدودية لمحافظة عمران، تعد أقرب نقطة اقتراب للوصول إليها، فيما لو تمكنت الجيش الوطني من بسط نفوذه على مديريتي حيران ومُستبا. وستكون، كذلك، نقطة انطلاق للوصول السريع إلى محافظة المحويت، مع ما تشكله السيطرة عليها من إسهام في تحقيق الإطباق على صعدة، التي تشي استراتيجية التحالف بأنها الهدف الأول والأهم قبل العاصمة صنعاء.
الملاحظ قيادة التحالف، وقيادة الجيش الوطني، لم تكن النية حاضرة لديهما لخوض معركة من هذا القبيل، وأن التركيز الأكبر كان على مدينة صعدة، للحفاظ على وتيرة القتال العالية، القائمة، الآن، داخل مناطق من المحافظة، وجبهات أخرى في حرض، وميدي، وحيران، بمحافظة حجة.
ما ينبغي مراعاته، أن فتح جبهات قتال واسعة في مديريتي كشر ومستبا، ليس بالأمر الهين، عسكريا؛ فذلك يعني الحاجة إلى مزيد من القوات والمعدات العسكرية وأشكال الدعم الأخرى، في وقت تعاني فيه جبهات أخرى نقصاً في ذلك. لكن الملاحظ أن هنالك تحولا في الاستراتيجية المتبعة، ويتجلى ذلك في سحب ثمان كتائب من المنطقة العسكرية الأولى، بحضرموت، والدفع بها إلى المنطقة العسكرية الخامسة، دعما لجهات حجور وحيران وغيرهما من المناطق المشتعلة هناك.
ما ينبغي مراعاته، أن تقدم قوات الجيش، مسنودة بالتحالف، لتطويق صعدة والسيطرة عليها، دون إيلاء حجور قدرا كبيرا من الاهتمام في هذه الخطوة، إنما يعد خللا استراتيجيا قاتلا، ولربما استدعت هذه المسألة المراجعة مؤخرا، ما دفع لجلب المزيد من القوات، في وقت يستبسل الحوثيون لعزل حجور عن ما يجري في الجبهات الأخرى المشتعلة المحيطة بصعدة.
أن ضمان سيطرة الجيش الوطني على كشر ومستبا، يمثل تأمينا وإسنادا للقوات المتقدمة، فضلا عن توظيف ذلك في تحقيق توسع داخل عمران والمحويت، وإحكام السيطرة على الطرقات ومصادر الإمداد. فتأمين الظهر مطلب رئيس لضمان تقدم أي قوة، وذلك ما سيحقق هذه الميزة لقوات الجيش الوطني.
الأمر، كذلك، بالنسبة إلى أي قوة تتخذ وضعا دفاعيا أمام عدو يهاجمها. والصورة، هنا، واضحة للفريقين. فالحوثيون يدركون، جيدا، أن حجور تمثل صمام أمان لهم في حال السيطرة عليها، والحؤول دون أن تستغل لتحقيق أي اختراق، أو تأمين لقوات الجيش الوطني، الذي يحاول الاقتراب من صعدة.
أمام التحشيد الذي ينتهجه الحوثييون، والتحشيد الذي تقوم به قيادة الجيش الوطني؛ يبدو أننا أمام "معركة تصادمية" وشيكة، ستشهدها مناطق من حجور، في طريق السيطرة على حجة وصعدة وعمران، لا سيما مع توقف القتال في جبهة الساحل الغربي، فمن سيسبق إلى ذلك؟
مع ما يبديه البعض من ارتياب إزاء تحول موقف التحالف وقيادة الجيش والوطني، من ما يجري في حجور، إلا أن ضرورات المواقف الناشئة، ستحدث تحولا قريبا على الأرض وفي الانطباعات، ولربما كان تأخر الدعم متعلق بنوعية القوات، التي ينبغي أن يدفع بها، وقد جاء الأمر على قوات من المنطقة الأولى، مع أن الأقرب إلى ذلك احتياط القائد الأعلى.
اقراء أيضاً
مفاوضات السلام اليمنية وتراجع الأجندات الخارجية
برلمان اليمن وحكومته: ضَعُفَ الطالب والمطلوب
"الانتقالي الجنوبي" ولعبة الإرهاب في أَبْيَن