لم يكن الربيع العربي الانفجارة الأولى لثورات هذا القرن. فقد سبقته الكثير من الثورات التي اتخذت ألوان ومسميات متعددة، وقع أغلبها في المناطق التي كانت تقع تحت مظلة الاتحاد السوفيتي السابق، قبل أن تنطلق مجدداً في الشرق الأوسط "وربيعها"، الذي لم يختلف في المنهجية عن الثورات السابقة، لتتساءل بعد مرور هذه السنوات، إن كانت تلك الثورات خطت بقلم واحد، أم أن تشابهها كان محض صدفة؟!..
لا أحد يستطيع إنكار الاستبداد الذي قامت ضده تلك الثورات، ليشعر الغالبية بوجوب التغيير الذي لم يكن يرفضه سوى المستفيدين من بقاء تلك الانظمة الاستبدادية- القمعية في الغالب- والتي لا أمل مرجو يلوح في انفاقها المظلمة.
إلا أن الانتقادات الداخلية الموجهة لها دون كلل، على مدى عشرات السنوات من أصوات المعارضة الداخلية، وارتباط مصالحها بدول العالم ومنظماته، جعلها تضطر للسماح بحرية نقابية وتعددية حزبية شكلية، لم تكن مرضية بأي حال من الأحوال.
تم التمهيد لتلك الثورات عبر سيناريو متقارب، واحداث منسوخة من بعضها البعض، حتى انحرف المسار فجأة، واختير لكل ثورة قدر مغاير للأخرى في الشكل، وبمضمون لا اختلاف فيه، بعد أن اختفت احلام شبابها الطامح كفقاعة صابون، ليفضي مسار تلك الثورات إلى واقع أسوأ مما كانت عليه بلدانهم قبلها.
من الطبيعي أن يكون الحديث عن الثورات مبعثاً للسخرية، في زمن اختصرت فيه طبول الحرب كل ما يمكن أن يقال على معظم البلدان التي وقعت عليها. إلا أن ارتفاع وتيرة الاضطرابات الحادثة في السودان الشقيق، فاجأت الجميع، ببشائر "ثورة جديدة". ربما، من يعلم؟!
مظاهرات وهتافات مشابهة لما ردده الربيع العربي. لكنها قد تختلف عنها في عدم وجود جهة منظمة محددة يمكن أن يلقى عليها مسؤولية اندلاع تلك الأحداث. بالإضافة لتجاهل إعلامي عمَّ كافة منابره- حتى تلك التي كانت تهتف باسم اسقاط النظام- يشير لعدم رضى المحيط الإقليمي أو الدولي عنها. على عكس ما حدث في الثورات السابقة. مما يجعلنا نلقي تساؤلا مهما: هل أدرك العالم أخطار الثورات فحذرها، أم أن مصالحه ليست متوافقة مع ما يحدث في السودان؟!
لم يتضح بعد إن كنا نقف أمام ثورة شعبية حقيقية، لا أطراف خارجية مساهمة في تحريكها، أم أن ما يدور في السودان مجرد سحابة سمراء ثائرة، ستأخذ وقتها وتمر؟!
ما يثير الدهشة والاستنكار، هو عودة منظري الثورات لمزاولة أعمالهم مع تلك المظاهرات؛ إما بترفع الثوري الذي اعتاد إلقاء النصائح المناسبة لما يراه والمتوافقة مع مصلحته، أو بتحذير وترهيب الحكيم المتخوف من سعي الشعب السوداني لغرق جديد في المنطقة؟!
هتافات مؤيدة ومعارضة، وتراشق لم تخلو منه مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يعير أي من الطرفين الاهتمام بما يريده المواطن السوداني حقاً، ومدى معاناته؟!
لا بأس من كونك ثورياً ساعياً للنضال. ومن المستحسن الخوف المبرر على أرض شقيقة، لم يلقى منها العربي واليمني على وجه الخصوص سوى الترحيب والمودة. إلا أنك بكل ما تحمل من أماني طيبة أو محاولات استرزاق جديدة، لم تسأل المواطن السوداني عن خياره ورغبته!! ولم تجهد نفسك في البحث إن كان الملل من دفعه للانتفاضة، أم أن الجور على مدى سنوات طويلة هو من جعله يلقي عنه ثياب الهدوء والصبر الذي اشتهر بارتدائه.
دعوا أهل السودان لشعابهم وخيارهم الذي يرجونه. وليخوضوا تجاربهم سلباً أو إيجابا. ولا تتعاملوا معهم كناقصي أهلية غيبّوا عما دار في العالم خلال السنوات الماضية.
من الأجدى بكل ثائر أو حكيم أن يلقي القليل من تفكيره على مشاكل بلاده الحقيقية التي- وإن أنكر- كان يدا صغيرة ساهمت بما آلت إليه.
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني