اشتعلت الحرب، وصدرت ميليشيا الانقلاب صورتها كعصابة متوحشة لا تفقه من العالم سوى خبرتها في استخدام السلاح، بمفردات صرخة همجية بلا ملامح، وطريقة تفاهم لا تتجاوز تفجير بيوت ومساجد المخالفين لعقيدتها..
برغم نجاح أسلوب الصدمة، الذي انتهجته في بداية اجتياحها، إلا أن شعور من الطمأنينة كان يغمرنا خفية؛ فمن المستحيل استمرارية وبقاء مثل هذه الجماعة ضمن قوانين العالم المتحضر. مثلها كالتتار الذي غرق بين ذرات التاريخ الناعمة، ولم يبق من أثره سوى الدمار الذي خلفه..
كنا مخطئين جميعاً..! لم تستمر تلك الجماعة وحسب، بل تفوقت على خصومها، التحالف والشرعية، وبجداره!..
لا يأتي حديثي من فراغ. فمجرد رؤيتهم يستميتون في أروقة المنظمات الحقوقية حتى اعتبروا "جنود اسبرطة الثائرين"، وتم تحميل خصومهم معظم جرائم الحرب بعبارات شديدة اللهجة..
تحاول الربط بين الصورة الحقيقية لما تعايشه كيمني، وبين ما اكتسبه أفراد تلك العصابة، بتساؤل حائر: ما الذي حدث؟! ..
بمنتهى البساطة؛ لقد نزعت جماعة الانقلاب عنها عزلتها بهدوء ماكر، عبر سنوات الحرب، ليبنوه حول اعدائهم حجر أساس لعزلة دولية، أراقوا به كبريائهم، ووضعتهم في مأزق، لن تنتهي تبعاته قريباً. خاصة، بعد أن القت عن نفسها وزر مسؤولية المجاعة، التي بدأت تلتهم اليمن دون أن تتحرك الحكومة أو التحالف جدياً لأنهائها...!
لعل من استمر بالعيش في صنعاء والمدن الواقعة تحت نفوذ الانقلاب، هم الأقل دهشة لنتائج ما حدث ويحدث. فأربع سنوات من طلب النجدة وانتظارها من التحالف والشرعية، لم يكن مجرد استجداء لإنهاء احتلال ميليشاوي خانق، بل تحذيرا من عمل منظم، يجري على قدم وساق، لتجريف مدنهم أمام أعينهم دون أن يقووا على منعه، أو ايقافه...!!
لم يكن ايقاف الميليشيا للمرتبات، وتضييق أحوال الناس، لدرجة استحالة المعيشة، وتهجير المكونات الوطنية المعارضة، خلال مسيرتها من صعدة إلى مناطق نفوذها، سوى جزء من مخطط أكبر تم استخدامه عبر الأئمة قديماً، وأُعيد استحداثه بما يناسب العصر..
يدرك قادة الميليشيا عجز القوة، مهما اشتدت في السيطرة، على حالة رفض شعبية لوقت طويل، فعمدوا لطمس "هوية وتنوع سكاني"، تعايشت معه اليمن عشرات، بل مئات السنين، عبر سلسلة من الإجراءات. على سبيل المثال: تغيير ديموغرافي للسكان، وانشاء أحزمة طائفية حول المدن؛ تغلغل في أجهزة الدولة الحكومية وإحكام قبضتهم عليها؛ العبث بالمناهج الدراسية، والسيطرة على كافة المساجد ودور العبادة لنشر أفكارهم الخاصة ...
للانقلاب أذرع أخرى، بساحات معارك مختلفة عن الجبهات التي يلقى بها مريدهم حتفه. أذرع تجيد التخطيط على المدى الطويل، وتتقن فن الحوار والحديث اللبق، بوجوهها الناعمة وابتسامتها البريئة..
ويبدو، للأسف، أنها الأكثر ذكاء بتصيدها لأخطاء خصم متشتت، لا يجيد سوى إيذاء نفسه، رغم ما يدعيه من عدم اكتراث وسخرية، باتت في محل شك!!..
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني