يفهم أباطرة الحرب ببطء، بعد سنوات من الدمار يبتدرون المراوغة من باب الاستعراض المعرفي كاستعراض القوة، يظنون أنهم يخلقون الدهشة على الأرض ويخلقونها في تويتر كما يصنعون الخراب.
مؤخرًا كتب محمد علي الحوثي بعمق، كتب فقرة في تويتر واستشهد باسم أجنبي، لا أعتقد أن اسم بوب دينارد قد أتى على بال حبيب عبدالرب أو مروان الغفوري، فعلها محمد الحوثي كما لو أنه حسين الوادعي وقد انتفخ قليلًا، وصف كل من يقف ضد المليشيا الحوثية من حملة سلاح إلى مسؤولين يقيمون في الخارج، بأنهم أدعياء وطنية "كمن يدعي زورًا الزعامة الوطنية للأفريقي بوب دينارد أو هبة سليم المصرية".
فعلها الحوثي وخلق حالة الإبهار، لقد تعلم كثيرًا وثقف نفسه، أتعبنا في البحث عن دينارد، لنطلق إحدى وعشرين طلقة رشاش ابتهاجًا بالمكسب الثقافي الجديد، ففي الوقت الذي مل فيه العزيز عبدالهادي العزعزي من استخدام ثقافته في تشخيص الواقع ولجأ إلى الثقافة الشعبية، جاء الحوثي بشيء جديد يستحق الاحتفاء.
من يذهب بعيدًا عن غايته يعبرون عنه شعبيًا: خلف الوطاف.
ومن يتقول على الآخرين بما فيه هو يمثلونه بالدجاجة التي تنبش إلى ظهرها.
دينارد كان مرتزق فرنسا في أفريقيا، وأشهر صانع انقلابات في القارة كلها، في إحدى البورتريهات المكتوبة عنه معلومة غريبة تذهب إلى أنه احترف الارتزاق في عمليات الانقلاب بعد إرساله إلى اليمن في الستينيات لتدريب عساكر الإمام، أجداد الحوثيين، الأئمة الذين كانوا يحكمون اليمن بالحديد والنار، الخرافة والجهل، الجوع والسواطير التي تُطاير رقاب من يضمر المعارضة لهم.
لو خرج رينارد من قبره لغنى وهو يشير إلى زعيم الحوثيين شخصيًا: أنت معلم.. واحنا منك نتعلم.. شاكرًا له المهارات التي اكتسبها من الإماميين.
جد المرتزقة واحد، نسى الحوثي صنيع دينارد تحت الانذهال باسم أجنبي، تنكر للجميل القديم منتشيًا فقط بفكرة الارتزاق التي جسدها دينارد، وبذلك قام بمقاربة الأعمال المتشابهة التي حدثت في القرن الماضي في أفريقيا وتحدث الآن في آسيا تحديدًا في اليمن الذي كان سعيدًا.
لا تعرف الطبقة الصغيرة من الحوثيين الذين يجزمون بأنهم بدأوا بتثقيف أنفسهم من ملازم السيد إلى شذرات ويكيبيديا، بأن عقد المقارنات والتجارب الأجنبية بما يحدث في اليمن، لم يعد مجديًا، نحن كوكب لوحدنا والمقارنات لم تعد تذهل أحدًا أو تجذب مهتمًا بشأننا، نستشهد بتجارب الآخرين على سبيل التسلية وملء الفراغ.
الدجاجة نبشت إلى ظهرها، الحوثي حك "خلف الوطاف"، وفي لحظة آسرة مر بها كان ما خلف الوطاف جلده.
وإذا كان لا بد من الاستشهاد بوقائع مشابهة لما يحدث في اليمن، رجال، مرتزقة، جماعات متمردة، انقلابات مشابهة، فلتحاول الطبقة الراقية داخل المليشيا المسؤولة عن التثقيف الأجنبي أن تأخذ ما تشاء مما كُتب من أول الحرب.
كان عبدالهادي العزعزي، قد شبه مليشيا الحوثي بـ "جيش الرب الأوغندي"، كانت هذه أقرب مقارنة بين حركتين متمردتين في قارتين مختلفتين، رغم أن جيش الرب الأوغندي قد نشأ حديثًا ولم يقم على أنقاض تجارب سابقة، الحوثية تدعي الحق الإلهي لممارسة السلطة وجيش الرب يدعي أن الإله قد أومأ له لإسقاط السلطة في أوغندا، التسمية تتطابق إلى حد بعيد مع فارق الديانتين، الحوثيون يقولون بأنهم مسلمون فاستخدموا اسم "أنصار الله"، والمتمردون في أوغندا يقولون أنهم مسيحيون فسموا أنفسهم "جيش الرب"، فكرة الاصطفاء الإلهي تترسخ لدى الميليشيات الناشئة على أسس منسوبة للأديان.
ولتلافى الحك "خلف الوطاف" وعدم نبش الدجاجة إلى ظهرها، فبالإمكان، للمرة الألف، تكرار الاستشهاد بتجارب انقلابية تطابقت أحداثها مع ما حدث في صنعاء. انقلاب تشيلي، دموية بينوشية، الاستيلاء على سنتياغو العاصمة، انقسام الجيش، الترويع والقتل، محاصرة شاعر كبير رفع اسم بلده إلى الأعلى اسمه: بابلو نيرودا.
تجربة انقلابية أخرى، نخشى أن يستشهد أي حوثي بها تحت الانذهال باسم أجنبي، واعتبار بيرتراند أرستيد شبيهًا بالمشاط، تجربة هاييتي، حيث وكما نشرت النيويورك تايمز: "أحكم المتمردون سيطرتهم على كاب هايتن... من دون مقاومة تذكر، بينما احتشد المواطنين الذين قاموا بالهتاف،... وسارع رجال الشرطة ومؤيدي الرئيس بيرتراند أرستيد المسلحون إلى الهرب".
وضع يشبه صنعاء، فلتضربوا الوطاف..
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس