أتساءل كثيراً: ما الذي كان ممكن أن يصاب به هذا الشعب في مثل هذه الظروف إن لم يحظى بحكومة رشيدة كحكومتنا؟! وكيف يمكنه اجتياز أيام الحرب القاسية ومعاناتها وحيداً بلا سند أو ظهر يحميه؟!
لا أحد يستطيع إنكار الاعجاز الذي قامت به شرعيتنا الرشيدة وهي توفر متطلبات العيش والحياة السهلة لمواطنيها لتخفف وترفع عنهم جزء من عبئهم النفسي. من الصعب على المواطن الجمع بين مأساة الحرب ومعاناة شظف العيش...!
اقتطعت الحكومة من لحمها لتوفر الراتب لجميع موظفي الدولة الذين لا يملكون دخلا آخر، دون أن تميز بين مواطن يقع تحت سيطرة الانقلابيين، وآخر ينعم بالسلام في أرض محررة انزاحت عنها ذكرى التفجيرات والاغتيالات القديمة.
قد يسيء البعض الظن في رشد حكومتنا، ويرى أنها تتجاهل علاج الجرحى والمصابين جراء المعارك، دون أن يدركوا المغزى الحقيقي لما تقوم به. فإبقاء آثار المعارك على وجوه وأطراف المصابين، صناعة للبطولة وتخليد لها. فبدون تلك الجراحات كيف يمكن للأجيال القادمة إدراك معنى التضحية التي دفعت في هذا الزمن؟ أرجو أن لا ننظر إلى تحت اقدامنا ونتطلع إلى المستقبل قبل إلقاء التهم جزافاً.
على سبيل المثال؛ هل كان بإمكان المواطن التصدي لاستمرار دخول الطائرات المدنية لسماء صنعاء؟ بالطبع لا. لكن الحكومة الرشيدة، وبمساندة قوات التحالف، وقفت بالمرصاد ضد عشوائية الانقلابيين التي كادت أن تودي بنا إلى التهلكة...!
لا أجمل من رحلة استجمام لطيفة إلى مأرب، وزيارة آثارها واسترجاع الماضي، وانت تحصل على وثيقة سفر وأوراق اثبات هوية..! نزهة سياحية وداعية تستحق العناء لمريض يوشك على الموت وهو يسابق رحلة سفره المنطلقة من مدينة عدن.
لم يعد المواطن اليمني يشعر بأي نوع من أنواع الضيم والقهر، وقد اقترب من سدرة المنتهى، لولا نظرات الحقد والحسد المسمومة التي يرميه بها بقية سكان كوكب الارض!! فلا تطالبوا الحكومة بما يفوق قدرتها ضد العالم. وكما يقال "إذا اردت أن تطلع فأمر بما يستطيع".
لم أفقد عقلي حتى الان...! أحاول فقط اكتساب مهارة الهروب من الواقع المجنون، أو مسايرته في أحسن الأحوال. فما كنت أعتقد أنها حكومة فاشلة، فيما مضى، ظهر جليا للعيان ولم يعد من وسيلة لإخفائه.
اعتقدنا سابقاً أننا أمام حكومة لا تستطيع لملمة الملفات التي أثقلت ساعديها؛ بضعة أوراق مسربة تسقط هنا؛ ملفات ذات شبهة فساد تتبعثر هناك، قد تخرج الأمور عن السيطرة جزء من الوقت، لكنها ستعود لنصابها حتما في وقت لاحق. فلا توجد حكومة تهوى العجز، أو تطرب للانتقادات التي تطورت لتصبح اتهامات مباشرة وصريحة. لكن الواقع يجبرنا على إعادة التفكير بالمعطيات التي تستجد كل يوم.
نحن أمام حكومة فرضت على نفسها الفشل، وتسعى إليه بكل ما تملك من إمكانيات. ما نحسبه نحن فشلا، تعتبره هي سبيلا للبقاء؛ فرصة للاستمرار لأطول فترة ممكنة. فلا يوجد شعب أحمق سيقبل بإعادة تدويرها في وقت السلم. من الذكاء اذن استمرار الحرب، والتشبث بما تطاله يدها من مكاسب.
حكومة لا شيء يستفزها أو يثير حفيظتها؛ قضايا فساد، فضائح بالجملة، وخطط تنموية عائلية بحتة. لم يعد باستطاعتنا التفريق بينها وبين ميليشيا الانقلاب، وقد نسخت عنها جميع صفاتها ونافستها. ففي حين تهيل الميليشيا التراب على الماضي، في محاولة لإعادة كتابته بطريقتها، تغولت يد الشرعية لتطال المستقبل في آخر تقليعة لها: "النفط مقابل الراتب"...!
بأي حق تبيعون حقوق ابنائنا؟ قد نتنازل تحت وطأة العجز الآني والتشرذم عما نملك لصد فسادكم وفساد غيركم، لكن لا أحد يملك الحق في بيع الغد؟!
من حسن الحظ، أن هذه الحرب حرمتنا خطيئة النسيان، والقت علينا حقد الجِمال التي تتنظر سنين طويلة للأخذ بثأرها ممن ظلمها؟!
حاولوا إعادة النظر فيما تصنعونه بهذا الوطن، ولا تصروا على إغراق سفينته، فلن يكون الشعب هو الغارق الوحيد..
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني