لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
كل الجهود كل الزنود للمعركة
ألحان جنان تعزف نشيد المعركة
وكمان لجان عشان عيون المعركة..
لم أعد أستسيغ قصيدة الشاعر احمد فؤاد نجم " صوت المعركة"، لعل استهلاكها على مدى عقود طويل او خوضنا حرب فعليه، أثقلت من سخرية القصيدة، فلا ظرافة فيها أو مبرر لنقدها اللاذع!
لأسباب مختلفة، لم يرق عنوان القصيدة لمجموعات لا بأس بها من أفراد الشعب، تخطوها وتخطوا واقع معركة اليمن المصيرية، لينشغلوا بصراعات خاصة، ليس هذا وقتها أو مكانها المناسب.
هذا ما تعايشه اليمن منذ عدة أشهر وهي تحاول فض اشتباك حزبي " المؤتمر والإصلاح "، واصرارهما العجيب على المماحكات المتبادلة، متجاهلين الأصوات العاقلة المنتمية اليهما والمندهشة مع المواطن الحائر أمام ما يحدث، مخفضين رؤوسهم بين الحين والآخر خشية الإصابة بقبضة طائشة أو ركلة غير محمودة النتائج.
لكي نكون منصفين لم تبدأ فصول هذا الصراعات قريباً، فقد تعودنا على متابعة معارك سياسية شرسة بين كل الأحزاب لا نار فيها أو دخان عدى التحشيد وكارزما الأعضاء الفاعلين، بعد تلقي تلك الأحزاب دروس في الصراعات السلمية على يد ديمقراطية وليدة كنا نفاخر بها.
لم نسمع يوماً بأن أحد الإصلاحيين هدم بيت ناصري أو العكس، لم يكمم اشتراكي رأي، لم يخون مؤتمري سياسي أو يعذبه في المعتقل، لعل أقوى الضربات السياسية التي تلقاها حزب، كانت من نصيب المؤتمر في تجمع اللقاء المشترك ضده.
لا ننكر وجود بعض التجاوزات التي لم يعرف فاعلها أو يجرم، لكن هواجس الواقع تقودنا أحيانا للشك في مستفيد وحيد صبت في مصلحته نتائج هذه المعارك، قد تأتي الأيام بإجابات وافية لجميع علامات الاستفهام والالغاز التي لم تحل.
يفترض بنا ترك الماضي لحين، فلسنا بصدد خوض انتخابات نقابية، نيابية أو حتى رئاسية، نحن في مواجهة حرب لا تميز بين شهداء جبهاتها وشعاراتهم الحزبية، تحصدهم أياد الغدر في قتالهم من أجل الحرية وازاحة الانقلاب الغادر عن كاهلنا، وفي حالة اهتزاز تلك الجبهات سيدفع الحزبين ثمناً مضاعفا وقد أمست معاركهم السياسية ذكرى، وماض مأسوف عليه.
نتوقف طويلا أمام أكبر أحزاب اليمن المفترض بهما التكافل والتعاضد بيد واحدة في أصعب فترة تمر بنا، لنتفاجأ بهما وقد استبدلا أثوابهما التي كانت تسعى لاستيعاب الجميع، بأخرى ضيقة لا تناسب حجمهما حتى بديا كمهرجين أو طفلين في روضة ينقصهما مربي فاضل!!، لك أن تختار التشبيه المناسب لمزاجك وحالتك النفسية.
كلاهما يرفعان ضد بعضهما قوائم اتهامات طويلة ومتشابهة لحد مذهل، وكأنها خطت على يد كاتب مشترك وزع نسخ متطابقة على الغريمين.
على رأس تلك الاتهامات التحالف مع الحوثي، التهمة التي يسوقها كلا الطرفين، متجاهلين بأننا مازلنا على قيد الحياة ولم ننسى تحالف كليهما مع الحوثي، كلُ في وقت معين ولفترة معينة وبنية التخلص منه حال الانتهاء من ازاحة الآخر.
بغض النظر عن " النيات السليمة " !؛، لا أحد ينكر بأن أحدهما ادخله بوضح النهار تحت ظل الخيام، والآخر أدخله بليل تحت ظل الانقلاب، لنستيقظ على نتائج غير متوقعة باستيلاء الحوثي "الأكثر دهاء والأقل نزاهة" على اليمن.
ما يؤسف تعميم مثل هذه التهمة على أعضاء الحزبين، مثل هذه القرارات يتخذها كبار السياسيين دون الأخذ برأي أغلبية أعضائه، التي أراهن على عدم اقتناعها بفكرة التحالف مع الحوثي من الأساس، لكن الفهم الخاطئ لمعنى الحزبية تلزم البعض بترديد ما يقوله القادة بطاعة عمياء..
ستسمع تهم مباشرة وصريحة هنا وهناك على شاكلة:" لم يقف الإصلاح في وجه المد الحوثي، ولم يمنع دخوله صنعاء؟!"، ليرد عليه:" وهل امتلكت عمران قدرة الدفاع عن نفسها، ومن قبلها دماج؟!"، لقد صفعنا الانقلاب بأكبر مؤامرة حيكت لليمن، لن ننساها ما حيينا.
ومن الطرف الآخر سؤال ليس ببعيد:" لماذا لم يعلن " طارق محمد صالح " صراحة انضمامه للحكومة الشرعية، بعد غدر الميليشيا ونفض تحالفها مع المؤتمر ؟!"، وهل كان سيصدق بيان له في اليوم التالي لخروجه من صنعاء؟!، أم أن تهمة الارتزاق كانت معدة لتوجيهها اليه.
أليس انضمامه لجبهة الساحل المنطوية تحت قيادة الجيش الوطني، فعل ذو معنى أقوى؟!.
تهمة متبادلة مشتركة للحزبين وهي " الفساد "، التي يسوق لها المنظرين ويكيلون لها الشتائم ليل نهار، كل ينسب للأخر ما يخفي حزبه من فساد مستشري حتى النخاع.
من كان منكم بلا فساد فليرجم الآخر بحجر، "لم يستثني الفساد أحد"، جميعكم يحمل عورات مكشوفة أمام الشعب بأكمله.
واحقاقاً للحق أمسى الفساد تهمة حكومية أكثر من كونها حزبية، الأجدى بالحكومة في المقام الأول تطبيق القانون على الجميع مبتدئة بنفسها، إن لم يستأصل الفساد في كل مؤسسات وأحزاب ومنظومات اليمن لن تجدوا في الغد وطن، تلقون به اتهاماتكم الصادقة.
"التطرف" الأسطوانة المشروحة، والتهمة المفضلة لجذب انتباه الغرب، تهمة لم تجد لها ضحية سوى المواطن اليمني البريء منها ومن الحزبية، وقد التصقت به وأمسى مطارداً منفياً في جميع مطارات العالم، على الرغم من أن التحقيقات الصحفية مع بعض خلاياها لم تثبت تورط أطراف عدة فحسب، بل اتهمت شبكة مترابطة ليست بعيدة عن بعض الأعضاء من الطرفين، تهمة بحاجة لقضاء نزيه لإثبات المتورط الحقيقي فيه، ولن يكون أحد سعيد في مثل هذا الوقت بتقديم أوراق اتهامه تحت نيران الحرب، أو سلطة القضاء الواقع تحت سيطرة الانقلاب.
تصل عدوى كراهية الأحزاب بينها البين للتخوين المتبادل بتلقي دعم خارجي من دول أخرى تساند الحزب أو تتبع نفس أيدولوجيته بغض النظر ان كانت تلك الدولة تسعى لصالح اليمن أو العكس.
لستم من السذاجة حيث تعتقدون بان
من يدير الحرب سراً أو علناً يمتلك مشاعر ود وعاطفة جياشة تربطه بهذا الحزب أو ذاك، مصالح الدول فقط هي من تحدد علاقاتها، التي قد تستبدل بين ليلة وضحاها وفقاً لحاجتها، ومصلحة اليمن لا تتجزأ عن مصلحة أبنائها وحاجتهم، تحالفكما واجب وان لم يعجب الدول الداعمة لكليكما، وأي تهاون فيه سيجعل من هذا الشعب مطية، إن لم يكن للميليشيا فلغيرها، لا تستحق دماء الشهداء او مستقبل الأجيال القادمة خيانة من هذا النوع.
وتذكروا أن التاريخ لا يرحم!
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، إن لم يكن مؤيداً لما يناسب اليمن ومواطنها المطحون..
ما يناسبنا وجود وطن!
وطن يسعنا ويسع احلامنا جميعاً، لم يعد هناك من وقت لتخبط مجنون، فقد أخفت الحرب زخم وجودكم الحقيقي على أرض الواقع، لا عدو حقيقي لليمن سوى "ميليشيا الحوثي الانقلابية" التي تنفخ فيكم نيرانكم جذلة، ويديها مشغولة بإعداد أسلحتها الفتاكة للقضاء على ما تبقى من كليكما، وابتلاع ما استطاعت من موائد اليمن العاجزة تحت وطأتها.
إن لم تكن الحرب الدائرة مناسبة لرمي خلافاتكم خلف ظهورهم وتناسيها لبعض الوقت، متى ستكون؟!
*المقال خاص بـ "يمن شباب نت"
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني