فرق هائل بين الدراما اليمنية وغيرها مما تنتجه الدراما العربية، عدى بعض الأعمال التي بدأت تُثّبتْ قَدَميها بمفاجأة غير متوقعة..!!
فقد كانت الدراما اليمنية الأضعف على الأقل في نسب المشاهدة، المحصورة عادة على المتلقي اليمني. لذلك لم نكن نطمح في كسب جوائز المهرجانات الفنية بقدر اهتمامنا بإثبات حضورنا فيها ونيل الجلوس على أحدى مقاعدها الخلفية.
فقد كان صناع الدراما اليمنية يجبرونك على الالتزام بقوالب بطولة معدة وجاهزة سلفاً قبل بداية أي عمل فني، تلك القوالب التي ترتكز بالأساس على عدم وجود "مميزات" لأبطالها؛ بطلها دوما مخفي يعمل من وراء ستار؛ مهمش لا يملك أي قدر من الذكاء؛ تبدو على ملامحه الطيبة التي لا تفرق بينها وبين الغباء؛ يمتلك وفرة في الصبر، وهو يوجه خده الأيسر لمن صفع الأيمن؛ يتنازل عن حقه لعدوه الذي يدّعي توبة غير منطقية..!!
في أفضل الحالات، ومع مخرج محنك يسعى لارتفاع نسبة المشاهدة، يكون البطل مهرجا أو محتال، لا يختلف عن الشرير التقليدي سوى بالعبارات التي يلقيها بين الحين والآخر للتذكير ببطولته، قبل أن يعطي ظهره للكاميرا منتشيا بمجد لا يشعر به أحد حتى نزول كلمة النهاية...، والمدهش أن المشاهد اليمني كان مصر على التلقي دون نقد ما يراه او إبداء رأيه فيه ..!
لا القي باللوم على الدراما اليمنية، فضعف الإمكانيات صخرة تعيق اظهار المواهب، بالإضافة إلى فقدانها عنصراً مهما، فالواقع المحيط بنا يشوبه خلل في بنية "البطولة والأبطال"، لا نستطيع توصيفه..! وهو خلل عجز عن ملئ شاشة الحياة، فكيف تقوى الكاميرات المحدودة مساحتها على ملئه؟ أبطال الشاشة يشبهون محيطهم، وقد تجرف ذلك المحيط لعشرات بل مئات السنين..
تعمد معظم من حكم اليمن على محو التاريخ وتجريف مفهوم البطولة من الأذهان شيئا فشيئا.. تآكلت كما يتآكل الصخر الصلب إثر توالي قطرات الماء عليه؛ قديماً من أجل بقاء حكم سلالة واحدة تؤمن بأحقيتها الالهية، ومؤخرا أُهيل على شجعانها تراب التجاهل والنسيان، بل والتشويه إن لزم الأمر. فالنجم الأوحد هي الصيغة والمعادلة المطلوبة في العقود الأخيرة ..!
اختلفت الصورة نوعاً ما منذ بداية الحرب. فالحرب لا تبخل بالأبطال، هذا ما يفترض به أن يكون، وقد فتحنا اجفاننا للبحث عنهم على أمل التقائهم والخلاص على أيديهم. لكن للأسف، شوهت تقلبات السياسة الكثير. كما أن الجبهات ظنت علينا بأبطالها، ضاقت بهم عقاباً على تواكلنا، فلا تُظهر منهم سوى صور لمن أرتقى، مع نعي حزين في أسفلها ..!!
ورغم ذلك كله، مازلنا مصرين على إحراج حكومتنا بمطالب لا تنتهي، وننهكها بسؤال ما لا تملك..! فهي في نهاية الأمر نتاج تاريخ أخفى أبطاله..!!
لكن توالي أيام الحرب، فاجأتنا بصفات درامية غير متعارف عليها، حين حذفت الحكومة الشرعية سيناريوهاتها..! حذفتها بصمت غريب أقرب الى الوقاحة، وهي تتجنب- عمدا- فتح ملفات اتهامات بالفساد تطفح بين الحين والآخر، غيّرَت من وظيفتها وهي تعطي ظهرها لمعاناة شعب، اقترب من حالة موت سريرية، قد لا نجد قريبا طريقة لشفائُه..
استحدثت نوعية جديدة من البطولة المواكبة للعصر ولحالة الحرب. أبطال كانت صلة القرابة هي الشرط الأساسي لاحتلالهم مقاعد لا يستحقونها ..! نمتلك حكومة تحارب جماعة انقلابية تعتمد السلالية منهجاً وقانونا، لكنها لا تمانع في استخدام منهج مشابه، (في التمييز)، إن اضطرتها ظروف مودة القرابة لذلك ..!
ليس هذا وحسب، فالأخبار لا تحرمنا من بعض الحوادث هنا وهناك، عن فرض بعض موظفي الحكومة البلطجة واستمراء القوة على الأضعف منهم. فذلك يستخدم الضرب أسلوبا ليكمل عقدة نقص فيه وهو يعتدي على عامل في مطبخه، وآخر يجمع أبناؤه لتمرر قراراته بقوة عضلاته الجبرية ..!
من الجيد أن الحكومة لازالت تملك القدرة على إدهاشنا- برغم حالة الرتابة والتبلد التي أصابت الشعب- بأشباه أبطال نحاول جاهدين معرفة المُخرِج الذي أضاف بهاراته لتسويق منتجاته الجديدة ..!!
قد تكون المشكلة الفعلية، التي تواجه بعض أعضاء حكومتنا، عدم إدراكهم حقيقة موقعهم الذي مازال أغلبهم يفضله خارج حدود الوطن، متمسكين بكونهم أعضاء حكومة منفى لا أرض لها، تستند على شرعية ساهموا في تأكل اجزاء لا بأس منها، ببلطجية وعنجهية مزيفة تثير الاستغراب ..!
أعمتهم تصرفاتهم، لدرجة لم يلاحظوا فيها أن جمهورهم اليوم يختلف عن جمهور الزمن الصامت، لا يحمل الكثير من الصبر، ولن يكتفي بالمشاهدة ممسكاً لسانه اللاذع، بعد أن أجاد فنون النقد وتخصص في القاسي منها..
تمر بالبعض لحظات شفقة بسبب ادائها الهزيل أمام جمهورها الغاضب. ولا يرى لها أي مخرج سوى انتهاج أحد طريقين: تصحيح اخطائها، ومفهوم البطولة الغائب عنها ليعبر الجميع بسلام؛ أو التخلص النهائي من جمهورها المشاغب.
ولا أعتقد- برغم ما تدعيه من قوة مزيفة- أنها قادرة على ذلك.
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني