تأخذ كل الأحداث دورتها من الوقت الذي يراه المجتمع مناسب لها قبل أن يخف صداها وتختفي في انتظار حدث جديد. وقد أخذت حكاية لص الدراجة النارية- أو "سارق الشماط" كما تندر الناس بأسمه- وقتها، بعد أن شغلت الرأي العام بالفيديو الذي أوقع بالسيدة صاحبة الشمطة، قبل أيام.
استميحكم عذراً لعكس الحدث، والبدء من لحظة انتهائه خلافاً للتسلسل المفروض. فالنهاية التي قرأت حروفها بين تغريدات ومنشورات بعض الناشطين هي أكثر ما أثار استفزازي، وهم يتسابقون لإلقاء كلمات الشكر والثناء لقوات الميليشيا التي تفرض الأمن والطمأنينة والسلام في مناطق سيطرتها، مستشهدين بالقبض السريع على لص الحقائب!!..
بين ليلة وضحاها كانت الميليشيا السوداوية، التي أحالت حياة كل يمني في الداخل والخارج إلى جحيم لا نهاية له، قد تحولت إلى كوادر لطيفة، تنشد أغاني أطفال وتنتظر دورها للظهور على قناة طيور الجنة، بعد أن أمست فجأة في عيون البعض ملائمة لهذا الدور!!..
نستطيع انتقاد الشرعية بتقصيرها المريع في الأداء؛ فقدان الأمن في المناطق المحررة؛ تجاهلها حاجات المواطنين واوجاعهم؛ التوقف المريب لبعض جبهاتها؛ فساد بعض موظفيها...، قد تنتهي الحروف ولا ينتهي نقدك لها، يمكنك منحها- اختصاراً للوقت- لقب "المتحف الطبيعي للتشوه الحكومي" !!..
ولكن..، أن تقارنها بميليشيا الحوثي، وتجعل من أمان مزيف ميزة تغلب بها كفتها على الحكومة، لهو أمر غير منطقي، وغير مصدق!!..
من الطبيعي، والطبيعي جدا، تواجد عناصر الميليشيا المكثف في مناطق سيطرتها؛ أن تجد تحت كل حجر مقاتل شرس أمر لا يثير الاستغراب أو الشكر..!
جماعة تحيطها الوية وعناصر الجيش الوطني من كل الجهات؛ كراهية المواطن البسيط؛ المظالم التي تباهوا بقيامهم بها؛ "جرائم السرقات والنهب" التي أزاحوا عنها عنصر التخفي؛ كل ذلك من الجرائم وأكثر، يجعلها في حالة استنفار دائمة؛ تأهب غير عادي وانتظار للخطر من كل الجهات، لم تترك الميليشيا لنفسها خط رجعة مما جعل حد السكين الذي وضع على رقاب اليمنيين أربع سنوات، ينتقل إلى كوابيسها..
لقد كان شباب السوشيال ميديا هم البطل الحقيقي؛ الشرطي النشط الذي لم يهدأ له بال بعد غضب رؤيته لسقوط السيدة الفاضلة أرضاً لا حول لها ولا قوة. إنها من الحالات القليلة النادرة التي تحولت بها غضبته الإلكترونية إلى فعل إيجابي سريع، حيث اضطرت الميليشيات معها إلى إحكام قبضتها على المجرم بعد حصار لم يدم طويلا نقل أثرها إلى قسم الشرطة..
أدلى الجميع برأيه في هذه الحادثة، البعض من رأى أن إلقاء القبض على اللص الصغير فيه شبهة لنفاق مجتمعي أظهر قسوته على لص صغير تاركاً الأقوى دون أن يمس، ومنهم من وجد بأن القبض على ذلك اللص خطوة أولى تحذيرية ستلحقها خطوات لا تراجع عنها للقضاء على الجريمة ومسبباتها..
الكثير يعتقد بأن انتشار الجريمة في المجتمع بعيداً عن ظروف الحرب، هو نتيجة حتمية لحكم وسيطرة لصوص العهد الجديد، أصحاب السوابق والملفات الثقيلة، التي قد تكون مازالت موضوعة في ادراجها دون أن يحاولوا احراقها، فمن يجرؤ على اتهام امراء الحرب؟! لذلك لا يُستغرب من تحديد "سرقة شماط" للمتهم دون النظر لاعتدائه السافر على السيدة، الذي كان من الممكن أن يؤدي لوفاتها أو إصابتها بعاهة دائمة..
أمسك الجميع بطرف من أطراف القضية، وكلٌ قال ما في جعبته، تاركاً الضحية دون أن تدلي برأيها. لم تكن المرأة في شارع الجزائر هي الضحية الوحيدة للص الدراجات، فهناك الكثير من الضحايا اللائي لم يسعفهن الحظ بوجود كاميرات مراقبة أو شباب متفاني للإنقاذ. فمثل هذه الجريمة ليست مستحدثة وجديدة على المجتمع، لن تجد امرأة في صنعاء أو غيرها من المدن اليمنية لم تواجه أو تسمع أو تتخوف من وقوع قصة مشابهة ..
ستجد الكثير من النساء يطالبن بقصاص عادل منه ومن أمثاله، دون التفكير في اللصوص الأكبر كرشاً !!..
لا يعني المرأة أصل اللص، أو انتمائه، أو حتى البطل الذي القى القبض عليه. ما يثير اهتمامها هو انتهاء هاجس خروجها للشارع، والسير في طرقاته بقبضة نزعت عنها الخوف والحقيبة المشدودة، وقد اطمأنت لوجود المتهم خلف القضبان، وقد ردع وغيره من تكرار فعلته..
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني