يبدأ فحصي للمريض، من لحظة دخوله غرفة المعاينة.
ولحظة جلوسه على الكرسي أمامي ونظراته، ولا تفارقه أنظاري لحظة.
ثم أسأل عنه وعن أهله، حتي يضيق ويضيق أهله معه.
ثم أغرق في تفاصيل مرضه، ومدته وكيف بدأ وكيف يروح ويرجع، وكيف يتطور وما الذي يحسنه وما يفاقمه.
وعن أشياء أخرى، بعضها تُسره وبعضها تضايقه وتبدو له بلا معنى.
وأسأل وأستمر بالسؤال، وأصل إلى التشخيص بثمانين بالمائة من حالاتهم، قبل أن أجسه وألمسه بيدي وأفحص.
وأثناء الفحص، أستغرق بتركيز كأني عازف بيانو، قد انقطع عن العالم وغارق في مهمته.
ثم تحدث الطامة.
يقاطعني أحدهم وأنا في هذه الحالة:
"اهتم زيادة، يا دكتور".
كيف أستطيع أن أهتم زيادة؟
وهل يستطيع أي مهني أو حرفي أن يهتم قليل أو يهتم زيادة؟
بالنسبة لي، لا أستطيع إلا أن أعطي كل ما عندي.
لا أستطيع أن أعطي أقل، وليس عندي ما أضيفه زيادة.
وكلهم سواء، مهما ارتفعت أو نقصت المكانة، أو اختلف اليسر والفاقة.
والآن، لندخل إلى عِلَّة اليمن.
هناك من يقول إن هناك مؤامرة، والتحالف يريد بنا أن ننزل إلى أسفل السافلين.
وهناك من يقول إن السعودية والإمارات، لا تريد أن تنتصر خوفا من أن يحصد الإخوان المسلمون الثمار.
وهناك من يقول بأن للتحالف أطماعا باقتطاع أراضينا والاستيلاء على سواحلنا وموانينا، وأنه يجب أولا إنهاكنا، قبل أن يلتهمونا.
وهناك من يقول بأن قيادات الجيش، هي من "الهضبة"، ولها مآرب ندريها ولا ندريها.
وهناك من يقول بأن الفساد وتجار الحروب- سواء في بلاد التحالف نفسها أو في أوساط الشرعية- بين فرص الثراء ووسائد الغنائم يتنعمون، ولإنهاء الحرب يقاومون.
وهناك من يقول بأن الإصلاح، يريد أن يجني مزيد من الثمار ويخطط لوراثة ما بعد انتهاء المشكلة.
وهناك من يقول بأن الإصلاح، ما هو إلا خائف من الزوال وما هو إلا مطيَّة للهضبة ولا يهمه تعز ولا حتى اليمن.
وهناك من يقول بأن الجنوبيين قد أقنعوا الخليجيين، بأن يطيلوا بأمد الحرب، حتى يدُوخ الشماليين، ويرضون بأي شيء وعلى رأسها الانفصال.
وهناك من يقول بأن أمريكا، ترى في إطالة الحرب فرصة لإغراق الخليج في مستنقع في اليمن، للحصول على كل ما يملكون من ودائع وكل ما تبقى من نفط في الآبار، حتى تجف كل الحقول، وليحدث لهم بعدها ما يحدث، سواء من اسرائيل أو إيران.
وهناك شيء من الصحة، في كل ما يقولون.
وكله مكتوب، هنا وهناك.
بالإشارات والأدلة، واستحضار الجغرافيا والتاريخ، واستخلاص العِبَر من حضارات الأمم والدول.
ولا يجب أن يبتئس كل من ذكرت أعلاه، من تجميع ما يقال على كل لسان، في هذه السطور.
فهو لن يضيرهم، وربما ينفع.
ولكني أعود للطبيب، الذي يستغرق في فحص مريضه كعازف بيانو، وهل يستطيع أن يهتم زيادة؟
أنا أقول أن هناك ضعف وعجز وانعدام قيادة وتخبط وتفكك في قيادة التحالف والشرعية، يجعلهم عاجزون عن الانتصار.
انعدام مهنيتهم وقلة حرفيتهم وعدم تركيزهم، يجعلهم لا يقومون بما فيه الكفاية، ناهيك عن ترك المجال لنا بأن نطلب منهم الزيادة.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
معركة إجراء تحقيق دولي في حرب اليمن