استرعى انتباهي أنشودة على قناة "طيور الجنة بيبي" اسمها "نهاية ثعلب"، انتقلت بعدها إلى اليوتيوب لتنزيلها وتكرار مشاهدتها، فهالني عدد مرات المشاهدة الذي وصل إلى 20 مليون مشاهدة، وأخرى بلغت 144 مليون مشاهدة، هذا خلافا لمشاهدة عرضها على التلفزيون.. وهذه الأنشودة تحكي قصة حاكم استبد شعبه (الأرانب) وحكمهم بالحديد والنار، مع نهب لحقوقهم، ومصادرة آراءهم.. فاجتمعت الأرانب المغلوبة، واتحدت ثم خرجت عليه تطالب بحقوقها، وفي الأخير نال جزاءه العادل.. فكانت هذه الأنشودة هي صورة لثورات الربيع العربي التي ما زالت نيرانها مشتعلة هنا وهناك.
نستطيع أن نقسم تاريخ العرب الحديث إلى ما قبل ثورات الربيع العربي، وما بعدها، كفترة زمنية لها تأثيراتها على كل مناحي الحياة، وبهذا يتحتم علينا سواء كنا من مؤيدي هذه الثورات أو مناهضيها أن نعمد إلى تغييرات في سياساتنا التربوية والاجتماعية بما يتواءم مع هذه المرحلة الجديدة من عمر الأرض العربية..
ولأن هناك إجماعا وقناعة من كل شرائح المجتمعات العربية بأن التغير صار ضرورة حتمية لا بد منها في ظل التغيرات العالمية التي طرأت.. فإن هذه الحياة إن أراد أحد إصلاحها فيلزمه أن يكون داخلها ويحاول محاولاته ضمن تيارها الهادر، فيكون أقرب إلى التأثير في أطراف المعادلات. وأما إذا كان خارجها فإن الناس غير مستعدة للبقاء في حالة سلبية، أو الخروج من دوامة العلاقات اليومية ليتبعوه.
وبنظرة فاحصة لواقع أدب الطفل العربي ما بعد ثورات الربيع، بأشكاله المتعددة، لا تكاد تجد نصوصا تخاطب الطفل من الواقع الذي يعيشه إلا نادرا، وعلى استحياء وتوارٍ، مع أن المرحلة تستدعي أن يعرف الطفل العربي كل ما يدور حوله، لأنه غدا هو من سيسوس البلاد، ويدير دفة الحكم فيها، ويتحكم في مناحي الحياة الأخرى..
صحيح بأن هناك الكثير جدا من كتب الأدب العربي الخاصة بالأطفال، والأفلام والمسلسلات الكرتونية التي تمجد العدل وترفع من قيمته، وتنفر النفوس من الظلم وعواقبه، وتحض على أهمية التغيير في الحياة، بأساليب متنوعة ومشوقة، قرأتها الأجيال السابقة على مدى مائة عام، لكنها لم تعد تجدي في المرحلة الزمنية الحالية، لأن الحال تبدل وهو يؤذن بمرحلة جديدة من الحياة.. فشواهد الواقع والتاريخ خير دليل على ذلك.
فهذه أخبار القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، التي حكت أحوال الأمم السابقة، وتوضيح أسباب ما آلوا إليه من النعيم والعذاب، لم تغفل الحديث عن الواقع وتوضيح كل شيء فيه، وما يتطلبه الأمر في صناعة الأجيال القادمة لحمل الراية من بعد ذاك الجيل، حتى تتم مواكبة سنن الله في الكون، ومعرفة كيف يسيرون معها، وما حديث حذيفة بن اليمان الذي أخبر فيه النبي عن المراحل التي ستمر بها الأمة المسلمة إلى يوم القيامة، وكان كما قال صلى الله عليه وسلم.
كذلك الكتب التي أحدثت تغيرا في الحياة على مستوى العالم، قرأتها الأجيال التي صدرت في زمنها وبدأت في التغيير والتأقلم معه، تربى خلال هذه الفترة جيل الأطفال، فنشأوا بعقليات وأفكار جديدة، ليقيموا مجتمعا جديدا يسوده العدل والرخاء، ولا ينحتون في الصخر لإعادة العجلة للوراء.. كرواية "كوخ العم توم"، هذا الكتاب الذي فجر قضية تحرير الرق في أميركا وأدى بشكل ما إلى نشوب الحرب الأهلية.. لقد صورت فيها صاحبتها حياة الزنوج الأميركيين قبل الحرب الأهلية، فألهبت أصحاب النفوس الكريمة وأثارت الرأي العام الأميركي ضد المظالم النازلة بتلك الفئة من المواطنين، فكانت حرب تحرير العبيد عام 1861، ثم النصر للولايات الشمالية على الولايات الجنوبية..
ولن نذهب بعيدا، ولننظر في واقعنا كعرب لنجد أن من قرأ تلك الروايات والقصص، وشاهد الأفلام والمسلسلات التي تمجد العدل وتنبذ الظلم، الكثير منهم من وقف أمام موجة التغيير التي جاءت بها ثورات الربيع العربي، بل وأعد الخطط، وحمل السلاح على أخوته وأهله، مع أنه يعرف بأنه لا يجوز له ذلك!
فمن غير المناسب إذن أن يظل الكتاب لأدب الطفولة، ينتجون ما تربوا عليه في وضع قد تغير، لأن الجيل القادم خلق لزمان غير زماننا، كما قال الفاروق عمر: "لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم، لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم".. وهذا لا يحتاج منا لمزيد فحص وتدقيق، فالواقع يقولها بقوة.. كما أنه من الغفلة إن كنا نظن بأنها موجة عابرة وستنتهي، فهذا مخالف للسنن الربانية في الكون، فهذه حقبة من مراحل التاريخ انتهت، وسيعقبها فترة أخرى بما فيها من أحداث، يصنع لها حكامها وسياسيوها وخبراء التربية والتعليم فيها من الآن فيما سيقدمه الأدباء لهم من أدب يحاكي واقعهم، ويعرفهم بواجباتهم للمرحلة القادمة، مع إبانة العاقبة لهم مما حدث لسابقيهم إن هم ساروا على الدرب نفسه.
*مدونات الجزيرة
اقراء أيضاً