قال فبراير إن هذا النظام استعصى على الاصلاح وأنه بعد ثلاثة عقود يستحق هذا الشعب نظاما أكثر احتراما للشعب، وتلك كانت جريمة فبراير.
مثل كل الدعوات الاصلاحية الحرة والشجاعة في التاريخ خرج دعاة القديم و" المحافظون" الذين يستفزهم أي حراك يقض مضاجعهم النائمة على أوجاع الشعوب ليحدثونا عن ضرورة الحفاظ على مصالحهم.
تحولت شبكة المصالح المعقدة الى مفردة اسمها "الاستقرار" وصارت أصوات الطلبة الحالمين تهديدا للمستقبل.
بعد سبع سنوات عجاف على الذكرى لن ندافع كثيرا عن فبراير وعن فلسفة الثورة وتطلعات الجيل نحو الحريات والديموقراطية وحقوق الانسان.
اليوم وقد آلت الأمور إلى هذا المآل الرهيب سنلتمس العذر للضحايا او لضحايا الضحايا كما يسميهم المثقف العربي "ادوارد سعيد"، سنترك للتاريخ أن يقول كلمته الفصل بين فبراير الظالم والمظلوم.
لن نقول شيئا عن ارهاصات فبراير ولن نطيل في شرح ظروف الميلاد، ولقد عودنا التاريخ أن يحسم الأمور على طريقته العادلة، قال لبون في روح الثورات" إن الشعب الفرنسي لن يشارك في الثورة الفرنسية لو ان ذلك الزمن قد عاد بهم الى الوراء، حتى اولئك الذين يتغنون اليوم بأمجادها "
لكن الشعب الفرنسي أخرج رفات فولتير الذي دفن سرا في حياته مطاردا كمتهم ليكرم رفاته في مقبرة البانثيون، مقبرة عظماء الأمة الفرنسية باعتباره من المبشرين بالثورة.
الفيلسوف الكبير ايمانويل كانط وهو يكتب "نقد العقل المحض كان المحافظون على النظام القديم يطلقون على كلابهم اسم ايمانويل، ثم ماتوا مع كلابهم وخلد التاريخ الفيلسوف العظيم على صفحات العظماء.
عندما كتب الفيلسوف الكبير ديكارت كتابه مقال في المنهج لم يتجرأ على وضع اسمه على الكتاب ولم تكتب دار النشر اسمها على الغلاف، فالمنهج العلمي الذي قدم له في الكتاب كان متهما بذات التهمة "يقسم المجتمع ويخرب العقول وينتهك الدين"، لكن التاريخ احتفظ له بلقب "ابو الفلسفة الحديثة"، وبقيت كتبه تشكل روح اوروبا زمنا طويلا.
حتى التمرد العظيم كما كان يطلق عليه في العام 1688 احتفظ له التاريخ باسم "الثورة المجيدة" وهذه الثورة لم تفعل سوى ذلك الذي طالبنا به، أن يحكم الشعب باسم الشعب، لا لعائلة ولا لعرق نبيل او سلالة مجيدة.
قال علي عزت بيجوفيتش في كتابه "هروبي الى الحرية " إن المدرسة الرومانسية في الأدب تولدت بفعل الاحباط الرهيب الذي أعقب الثورة الفرنسية.
حتى الرسالات السماوية اتهمت بذات التهمة، تمزيق المجتمع وتعريض النظام العام للتخريب، أما القرآن فقد عبر عن تلك الثورة بتعبير رصين " كان الناس امة واحدة، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " أي انهم اختلفوا واقتتلوا، ولكن التاريخ يشهد بأن ذلك الاختلاف خلق جيلا جديدا بسط ظل حضارته على 30 مليون كم مربع.
إنها حكاية التاريخ وقصته التي اشار إليها الجدل الهيجلي بوضوح إلى أن التاريخ يمضي نحو حتمياته، لن نستعرض كثيرا في هذا الصدد فالتاريخ حافل بالأحداث الشاهدة بأن كل التحولات العظيمة قابلها الناس بالرفض ثم بعد ذلك جرى عليها قانون التاريخ ومكر الله.
عندما يلتفت اليمنيون بعد عقود لهذه الفوضى الرهيبة فإنه سيحتفظ بصورة الشباب اليمني وهم واقفين عند الساعة الرابعة عصرا في أكثر من 17 ساحة، من كل الاطياف والأشكال والاحزاب والفئات، يعزفون النشيد الوطني امام سارية العلم تخفق قلوبهم بحب الوطن ويطمحون للحاق بركب المستقبل ويوزعون الورود بصدورهم المفتوحة.
يحنون للمزيد من الحرية ويتطلعون لمستقبل أكثر أمانا، سيتذكر التاريخ تلك اللحظة باعتبارها أنبل صورة عبرت عن الانسان اليمني في أعلى تجلياته وتعبيراته عن حضارته وثقافته.
لذلك لن ندافع كثيرا عن فبراير المجيد، فلدى التاريخ ما يدونه وسنقبل بحكم التاريخ، أما أنتم فاكتبوا ما شئتم، لكن عليكم ان لا تكتبوا المزيد من الخجل لأبنائكم واحفادكم حين يصلبكم التاريخ في مشانقه العادلة.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً