يعكف عدد كبير من المثقفين والكُتاب على جلد القبيلة وتحميلها تبعات كل فشل سياسي ذريع يُمنى بها الوطن ؛ القبيلة ذاتها التي يتم التعاطي معها كبندقية صيد يُلتفت إليها ذات حاجة !! الحديث يدور حول القبيلة بوصفها تضم مجموعة من البشر تعرضوا للاستنزاف البشري مع كل مقامرة جديدة حول السلطة ، تعرضت لموجات تجريف وعي متتالية ، واُختزلت على ذمة شيخ تعاملت السلطة معه باعتباره القبيلة ، ومنحته صفة قانونية وسياسية فوق سلطته القبلية ، ما جعله يتصرف كحاكم مطلق يُدير القبيلة بمقتضى مصالح شخصية وفئوية حتى تحولت القبيلة إلى كانتونة صغيرة تدور في فلك شيخ ( أخطبوطي ) بعلاقاته المعقدة مع المال والنفوذ المرتبطة بالسلطة في الداخل وحتى بدول وكيانات خارج حدود التراب الوطني ، وتبعاً لهذه المصالح تتحرك إرادة القبيلة ككل.
لعدة عقود كان شراء وولاء القبيلة لا يتطلب أكثر من تعزيز شحن النعر القبلية ومدخل إيدلوجي أما وقد استخدمت مليشيا الحوثي كليهما فلا عتب طالما وساحة الفعل المضاد مازالت خالية إلا من شرعية بلا مشروع .
هل هذا تسطيح لدور القبيلة ؟! ربما لدورها قديماً ، حالياً من يحكم القبيلة إقطاعي عّمد إلى تجهيل أتباعه لضمان بقائهم في قطيعة متى تطلبت حاجته أو حاجة السلطة ( لفزعتها) ومع الغياب الكلي لدور السلطة تكتمل دائرة الضيق على اليمني أبن القبيلة .
تحتاج السلطة للشيخ ويحتاج الشيخ لها ، وبينهما تتلاشى حقوق أبناء القبائل من صحة وتعليم وخدمات ..إلخ ، هذه هي المعادلة المختلة القائمة وهذا هو الوجع الذي أنتج كل هذا الخراب!
يتفوق الانتماء القبلي على الانتماء الوطني لدى معظم أبناء القبائل للأسف الشديد ، ذلك أن الوطن الغائب الأكبر في تشكيل ثقافة ووعي أبناءه الذين وجدوا أنفسهم في عراء اللادولة .
الآن هذا هو جزء من واقع القبيلة في اليمن - تحديداً قبائل الطوق - ولكن ما مقتضى التعامل مع هذا الوضع بواقعية ؛ الواقعية التي لا تعني بتاتاً إتباع الحاصل ، والتعامل مع المتاح على أنه كل شيء كما جرت العادة ؟!
استعداء القبيلة ، والحديث عنها كطرف ثان في المكون الوطني معناه أن نظل في ذات الدائرة المفرغة ، معناه إهدار المزيد من السنوات ،و المزيد من إمكانيات الوطن المادية والبشرية بلا طائل تنموي..!
تجاوز النخبة في كل المكونات والأطراف انفعال اللحظة لصالح تمدين القبيلة على المدى الطويل ، والتماس قربها على المدى القريب في مشوار الانعتاق الذي نواجه فيه كل تراكمات فشل المراحل السابقة ، وكل نتوءات الفكر الدخيل وحروب الوكالة ، أمر مــــُلح وعلى رأس الأولويات وهذا الأمر يتطلب توجيه خطاب إعلامي مسئول يراعي الحيثيات التي ساهمت في خلق كل الفوضى والفشل الذي أطبق علينا، أما الاستمرار في التخندق خلف قناعات مُسبقة فأنه سيفضي إلى ذات النتيجة وربما أسوأ .
لم يكن موقف القبيلة يوماً مواتياً لبناء دولة ، عدا استثناءات لا يمكن البناء عليها ؛ هذا يحيلنا إلى أن الخلل بنيوي بحت ، ولا علاقة له بالفرد فاقد القرار والخيار ، ولعل من مقتضى الضرورة في الوقت الراهن - على قساوة المرحلة - احتواء هذا التردد القبلي ، ضم تذبذبه وتبني مشروع متسامح يقفز على شتات الاستقطابات ويحد من فزع التوجس والريبة بين اليمنيين .
هذا نضال في حد ذاته ويقع تحديداً على عاتق النخب ، أما ترك الميدان لقوى خارجية أو لمليشيا التمييز والعنف فدفة الوطن تتجه نحو هاوية لا مرد منها .
اقراء أيضاً