يأتي تجديد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، مهمة إسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوثا أمميا إلى اليمن في ظل جمود يخيم على المسار السياسي في اليمن أكثر من عام، لتضفي تجديد مهمة ولد الشيخ على المشهد التفاوضي مزيداً من التعقيد والجمود، فعلى الرغم من جهود الأخير إلى الدفع باستئناف المفاوضات السياسية بين الفرقاء اليمنيين، إلا أن تلك المحاولات لم تحقق أي انفراجةٍ في الأفق السياسي، بعد أن عادت الأمور إلى نقطة الصفر؛ وبقدر ما يتحمل أطراف الصراع اليمنية وحلفاؤهم الإقليميون المسؤولية الرئيسية في تعطيل المسار السياسي، وهو ما يؤكد أنهما سوف يمضيان حتى النهاية في خوض حرب خاسرة، يتحمل إسماعيل ولد الشيخ جزءا كبيراً من المسؤولية في تجميد المسار السياسي في الوقت الراهن.
منذ تولي ولد الشيخ الملف اليمني، خلفاً للمبعوث جمال بن عمر، راهن يمنيون كثيرون على مقدرته في إجبار الأطراف اليمنية وحلفائهم على قبول الحل السياسي خيارا لإنهاء الحرب، لكنه أضاع وقتا وفرصا كثيرين في تسويق مبادرات ميتة، أو منح أطراف الصراع اليمنية وحلفائهم تخريجة ملائمة لعرقلة المفاوضات السياسية إلى أجلٍ غير مسمى. عدا تسويقه اجتماعات التوافق النسوي للسلام نصرا سياسيا للأمم المتحدة في اليمن، فإن ولد الشيخ بالمجمل لم يحرز أي تقدم في التهيئة للمفاوضات بين الفرقاء اليمنيين، أو تقديم مبادرة سياسية تمثل خيارات اليمنيين. وبالتالي، فإن تجديد مهمة المبعوث تطرح تحدياتٍ جديدةً أمام أدائه السياسي في المرحلة المقبلة، ما لم يتجاوز عثراته.
نجح إسماعيل ولد الشيخ، في إبريل/ نيسان 2016، في جمع الفرقاء اليمنيين في مفاوضات سياسية شبه مباشرة في العاصمة الكويتية، إلا أن تلك المفاوضات لم تسفر عن نتائج ملموسة على الأرض، بما يحقق تراكماً في المسار التفاوضي، ولم تؤدِ إلى اختراق نقاط الخلاف بين الفرقاء اليمنيين، وتخليق أرضية مشتركة لتقريب وجهات النظر بينهما، إذ لم تمارس اللجان التي شكلت من الطرفين أعمالها لمراقبة وقف النار، وتثبيته في معظم مناطق المواجهات.
وعلى العكس، تصاعدت العمليات العسكرية، سواء لمليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح في مدينة تعز، أو لطيران التحالف العربي على نحو غير مسبوق، كما لم تلقَ دعوات ولد الشيخ المتكرّرة إلى عقد هدنة مؤقتة بين المتحاربين، لتسهيل إيصال الإغاثة إلى المدن المحاصرة، كمدينة تعز، قبولاً لدى أطراف الصراع اليمنية وحلفائهم، فضلاً عن أن اتكاء ولد الشيخ على لقاءاتٍ سرية عقدت في عواصم عربية وأوربية بين قيادات محسوبة على صالح والحوثيين والسلطة الشرعية لم تفض إلى تغيير يذكر في مواقف الفرقاء، فتلك الزعامات لا تملك قرارا سياسيا أو سلطةً ما للتأثير على جماعتها لقبول التفاوض.
بعد فشل لقاء الكويت، وفشله في التهيئة لأي مفاوضات بين الفرقاء اليمنيين، لجأ ولد الشيخ إلى تبني مبادرات تعبر عن مصالح أطراف الصراع اليمنية وحلفائهم الإقليميين، إذ اعتمد مبادرة وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، أرضية تفاوضية طوال عام.
وكما كان متوقعاً منذ البداية، فشلت هذه المبادرة بسبب رفض السلطة الشرعية، ممثلة بالرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ومن ورائها السعودية، مضامين هذه المبادرة التي تقضي بتسليم جماعة الحوثي وصالح مؤسسات الدولة وسلاح الجيش إلى جهة ثالثة محايدة، وهو ما اعتبرته السلطة تهديداً يستهدف مشروعيتها السياسية والشعبية، إلا أن ولد الشيخ يبدو أنه لا يحسب حساب الوقت على اليمنيين العالقين بهذه الحرب، ولا حساب لمعاناتهم اليومية في ظل انعدام كل فرص الحياة.
فمع مطلع العام الحالي، بدأ بتسويق مبادرة سياسية جديدة، تقضي بتسليم جماعة الحوثي وصالح ميناء الحديدة لجهة ثالثة، في مقابل تكفل السلطة الشرعية بصرف رواتب موظفي الدولة. وبالطبع، لم تولد هذه المبادرة ميتة، كما مبادرة كيري، بل تسببت أيضا في تجميد المسار السياسي إلى وقت غير معلوم.
اعتماد ولد الشيخ على مبادرة ميناء الحديدة أساسا للتفاوض بين الفرقاء اليمنيين، وإضافة تعديلات عليها من حين إلى آخر، لا يغير من حقيقة أنه لن يكتب لها النجاح، مهما قضى ولد الشيخ جل وقته في إقناع المجتمع الدولي على قبولها، إذ لا يمكن أن تقبل جماعة الحوثي تسليم ميناء الحديدة إلى أي طرفٍ آخر، بمن فيهم حليفها صالح، فمن منطلق رؤيتها الاستراتيجية لاستدامة حربها على اليمنيين، ترى الجماعة أن تسليم ميناء الحديدة بمثابة تسليم رأسها إلى المقصلة، وهو ما أكده زعيم جماعة الحوثي، عبد الملك الحوثي، في معظم خطاباته السياسيه، فيما أعلنت الحكومة الشرعية قبولها مبادرة الحديدة، لكونها لا تنتقص من شرعيتها السياسية.
تنطلق عوامل فشل مبادرة الحديدة من رفض جماعة الحوثي مضامينها جملة وتفصيلاً، وهو ما يجعل من أمر تعطيلها واردا أكثر من نجاحها، في ظل عدم تغيير موازين القوى على الأرض، بحيث يجبر الجماعة على قبول المبادرة، كما أن دوافع ولد الشيخ لتخريج مبادرة الحديدة كان وفق ظروف آنية حينها، تتعلق بإصرار التحالف على التدخل العسكري في مدينة الحديدة، وبضغط إنساني لتجنيب المدينة الفقيرة معاناة إضافية، إلا أن ولد الشيخ يدرك أنه، مهما كان من التضخيم الإعلامي للتحالف في اقتحام الحديدة، فإن المجتمع الدولي لن يسمح بتحويل المدينة إلى جبهة جديدة مشتعلة، خصوصا مع فشل التحالف العربي في حسم الجبهات المفتوحة، وأن قرار اقتحام الحديدة لن يتم إلا بقرار وتوافق أمميين.
منذ تسويقه ولد الشيخ مبادرة ميناء الحديدة، مضى أكثر من ثمانية أشهر من عمر الحرب في اليمن، ومن عمر اليمنيين المتعبين، من دون أن يحقق المبعوث الدولي، ولد الشيخ، أي تقدّم في إجبار الحوثيين على قبول هذه المبادرة، وعدا عن أنه وضع نفسه، وكذلك المفاوضات، في مأزق وجودي، فإنه قد قضى على أمل يمنيين كثيرين بأن يحمل لهم المسار السياسي بصيص نور في ثقب هذا الجدار الغليظ.
*العربي الجديد
اقراء أيضاً
هذا الصراع على الإيرادات في اليمن
البحر الأحمر والتصعيد في اتجاهات عديدة
صنعاء... صفقة السموم الإسرائيلية