نفذ تنظيم داعش عملية انتحارية أخرى دامية في مدينة عدن، قتل فيها أكثر من ستين مقاتلاً من الموالين للحكومة الشرعية، تأتي ضمن سلسلة عمليات إرهابية ينفذها التنظيم مع شقيقه تنظيم «القاعدة» هناك.
القتال يوضح طبيعة التحالفات في حرب اليمن، حيث يلتقي الانقلابيون، وهم الحوثي وجماعة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، مع تنظيمي «القاعدة» و«داعش» في معسكر واحد ضد معسكر قوات الحكومة الشرعية والقبائل الموالية لها، مع التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية.
وبعد العملية الدامية في عدن، علق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي، قائلاً: «إن الهجوم يبرز الحاجة الملحة إلى تسوية كاملة وشاملة تؤدي إلى تقليص الفراغ الأمني والسياسي الذي تفاقم بسبب الحرب الأهلية الدائرة هناك»، وحذر من أنه «في حال عدم التوصل إلى حل سياسي، فإننا نشعر بالقلق من قدرة (داعش) و(القاعدة) على الاستمرار في الاستفادة من عدم الاستقرار».
ولا خلاف أبدًا على أن الفوضى تغذي الجماعات الإرهابية، وأن الحل السياسي هو الخيار الأمثل لليمن، ولجميع الأطراف المقاتلة هناك. لكن يجب أن نحذر من أن التنازل للحوثي وصالح، أي المتمردين، وتسليمهم الحكم، أو السماح لهم بالبقاء كقوة مستقلة ونافذة في أي اتفاق مقبل، سيكون خطره أعظم.
منذ عامين وتنظيم «القاعدة»، وكذلك «داعش»، خصا بالهجوم الحكومة الشرعية لسببين أساسيين: الأول، أن التنظيمين الإرهابيين تعاملا في الماضي مع حكومة صالح، ولا يزالان إلى اليوم يتعاملان مع صالح، وكذلك الحوثي.
وحتى قبل الحرب، فإن معظم عمليات «القاعدة» التي خطط لها داخل اليمن، واستهدفت الولايات المتحدة وأوروبا، كشفت وأحبطت من قبل الأمن السعودي الذي تولى مهمة ملاحقة التنظيم خلال السنوات الماضية.
وخلال الاثني عشر شهرًا الماضية، استهدف التنظيمان الإرهابيان القوات الإماراتية بشكل رئيسي، والسعودية في اليمن، وحاولا قتل عدد من مسؤولي الحكومة اليمنية في العاصمة المؤقتة، من بينهم رئيس الوزراء السابق. ولعب التنظيمان الإرهابيان دورًا مؤثرًا في تعطيل قوات التحالف، المتحالفة مع الحكومة اليمنية الشرعية، عندما استهدفوها بشكل ممنهج في المناطق التي حرروها من صالح والحوثي.
ويوجد تحالف بين الجماعات الإرهابية والمتمردين، لذا يجب ألا تعطي المصالحة المقترحة صالح والحوثيين نفوذًا كبيرًا في المشروع السياسي مكافأة لهم على استخدام «داعش» و«القاعدة»، وإلا فمن المؤكد أنهم بعد المصالحة المقترحة سيمدون الحبل للإرهابيين من جديد لضرب الحكومة الشرعية لإضعافها، والهيمنة على بقية أركان الدولة.
وقد سبق لصالح أن فعلها في التسعينات، ضد منافسيه داخل حكومة الوحدة لليمن الجديد نفسها، حيث دبر اغتيال عشرات من قيادات اليمن الجنوبي، مستخدمًا المتطرفين الإسلاميين حينها.
وكرر استخدام «القاعدة» في السنوات العشر الماضية، وهو الأمر الذي ظل الأميركيون يرفضون تصديقه حتى تجمعت لديهم كمية كبيرة من المعلومات تربط بينه وبين «القاعدة» ضمن لعبة الاستغلال التي أجاد استخدامها صالح لضرب خصومه اليمنيين.
«داعش» و«القاعدة» يعلمان أن الحوثيين وصالح خير حليفين لهما في أي حل مقبل، لأن الذي يحارب الجماعتين الإرهابيتين اليوم في اليمن كل من القوات السعودية والإماراتية، وكذلك الأميركية التي تعتمد على طائرات بلا طيار، الدرون.
وقد كان بإمكان السعوديين والإماراتيين أن يلعبوا مثل صالح والحوثيين التكتيك نفسه، أي التفاهم مع الجماعتين الإرهابيتين بعدم التعرض لهم على الأرض، وتركهم يؤسسون قواعد، ويجندون ويدربون، في وقت تتفرغ فيه قوات الشرعية فقط لمقاتلة صالح والحوثي.
الآن، وزارة الخارجية أكثر رغبة في الحل السلمي لأنه الخيار الأفضل، وهذا صحيح، لكنه يجب ألا يجيء ذلك على حساب الحل الذي تبنته الأمم المتحدة، ويقوم على حل الانتخابات، وليس على مفهوم المحاصصة الذي يعطي الحوثيين وصالح مقاعد ونفوذًا أكبر فقط لأنهم يحملون السلاح، فمفهوم المحاصصة الذي تروج له إيران في العراق ولبنان هو الذي خرب البلاد، وأدى إلى الفوضى التي نراها اليوم هناك.
وإذا كان خطر «القاعدة» وشقيقاتها في اليمن هو الدافع الرئيسي للحماس الأميركي، فإن عليهم أن يتبنوا مفهوم الدولة المركزية الواحدة القوية التي تستطيع غدًا محاربة الإرهاب، بدلاً من السماح بقيام دولة ميليشيات، كما هو مطروح حاليًا باسم المصالحة.
*الشرق الأوسط
اقراء أيضاً
الاتفاق السعودي في معادلة غزة
هل حرب إيران وإسرائيل وشيكة؟
تدمير «الأونروا» بعد غزة