حين ينجلي الغبار سيكتب المؤرخون بعد طول تأمل الحقيقة التالية: وكانت الجمهورية والدولة تستند على رجل اسمه محمد قحطان، لم تسقط اليمن فعليا إلا عشية الخامس من أبريل 2015م ليلة اختطاف قحطان، تلك الليلة فقط سقطت الجمهورية.
دخل الحوثيون بمليشياتهم وقوات المخلوع محافظة عمران وارتكبوا جرائم حرب كعادتهم، كان الجميع غارق في هول الفجيعة على الوطن؛ وكان محمد قحطان يصرح للصحف العربية "ليسوا سوى انتفاشه" كان قحطان يدرك حجم التضخيم والنفخ من أطراف في الداخل والخارج لتقديم مليشيا الحوثي بأكبر من حجمها، لكن قحطان طمأن الجميع وأعاد تعريفهم كما يراهم وكما يجب التعامل معهم.
قحطان يحمل روحا جمهورية شجاعة ومتينة، كان على يقين أن مواجهة "الإنتفاشه" بحاجة لقادة أقوياء، لم يتوقف محمد قحطان عن مزاولة نشاطه السياسي، طوق الحوثيون العاصمة، اسقطوا المعسكرات، دخلوا الوزارات، في تلك الليلة استقبل قحطان صحفي من جريدة مصرية، ناقشه بحصافة ورباطة جأش.
في الصباح تسابق قحطان مع أشعة الشمس لحضور جلسات حوار موفمبيك، حارب قحطان كجيش عتيد، كان يسدد أهدافه باحتراف، وقف مع المتحاورين في لقاء صحفي لجمال بنعمر، وراقب تصريحاته التي كانت تخدع الشعب اليمني، رمى بتصريح موجز أعاد حديث وسائل الإعلام المحلية والإقليمية إلى ما يريد، حول مؤتمر بنعمر إلى مؤتمر للجمهورية لما نريد نحن، لا لأكاذيب المبعوث الاممي، لقد ناضل أبانا قحطان بجسارة وتحدي، روحه ممتلئة بالإيمان بالله وبمبادئ الجمهورية، يسري النضال في عروقه على شكل دماء.
احتل الحوثيون الوزارات وفعلوا ما قيل لهم، قيل لهم حاربوا بالصور تصوروا في مكاتب الوزرات وانشروا عبثكم فهذا ما تفعله العصابات الهمجية على هيئة "حرب نفسية" لتقتل روح المقاومة لدى الشعوب..
محمد قحطان تجاهل كل شيء، كان الرجل مقتنعا بأن ما يدور مهما بدا ليس سوى "انتفاشة" عاد الى موفمبيك، أعاد تقليب أوراق الحوار رغم بلطجة ووقاحة مهدي المشاط والفيشي، لكن قحطان كان يقاتل بالصورة والتصريح والحضور، قرأ الحوثيون بيانهم رقم "1" وأعلنوا تشكيل مجلس رئاسي وحاصروا البلد كله، حاصروا الدولة من أقصاها إلى أقصاها، أطبقوا الخناق على فخامة الرئيس، ثم أتوا صاغرين الى موفمبيك لمحاورة قحطان!، حاورهم قحطان وقدم حلولا وجدوا أنفسهم مهزومين عندها، نقضوا بيانهم الاول، وناقضوا أنفسهم وجاءوا إلى قحطان لم يفقهوا ما يرمي إليه، عجزوا عن مجاراته، حتى معلمهم الكبير بنعمر عجز هو الأخر عن مجاراة قحطان، كلهم كانوا يظهرون بتناقض في الصباح وعند المساء يلطمون خدودهم حين يكتشفون حجم الحفرة التي دفنهم فيها قحطان.
***
سيكتب التاريخ أن العاصمة سقطت فعليا عندما غاب قحطان، كانت الحياة ترفل في شرايين العاصمة حين كان قحطان يتجول بسيارته بين حواريها، والجمهورية كانت تتكئ بقوة على قحطان، كان كل رجال الدولة في حصار مضروب عليهم من قوى الانقلاب، أطبقوا الحصار على الرئيس، قتلوا أقاربه واضطر أن يقدم استقالته، لقد كانت الضغوط كبيرة جدا، الداخل والخارج يسعى لقطف رأس الرئيس.
كانت مؤامرة قبيحة وقذرة، وكان قحطان يرمم بانتباه وتيقظ، تجاوزت الجمهورية محنة قبول الاستقالة، تنفس قحطان الصعداء وكأنه قال للرئيس: لا تخشى الانتفاشة، اصمد وستحضر أنت ولو كنت محاصرا بفوهات الخيانة والأسلحة والموت، وقف قحطان صامتا في موفمبيك، كانت القوى الدولية قد وصلت الى اتفاق يشرعن للانقلاب، صمت قحطان، ونذر صوما جمهوريا، امتنع عن الكلام في موفمبيك حتى يتم إدخال كبسولات الدواء للرئيس، كان قحطان يفطن أن قلب الرئيس هو نبض الجمهورية في تلك الحلكة القاتلة.
نجح الرجل بدهاء أن يخمد الإنتفاشه تلك الليلة، أطفأ مؤامرة بنعمر وكل أصوات شهود الزور وناعقي الخراب، تحول حديث الإعلام عن صمت قحطان، وحضر الرئيس الشرعي على السنة الناس حين صمت قحطان.
كل مظاهر الانقلاب اكتملت وكل أركانه توطدت، لكن حضور قحطان كان كفيلا بتدمير تلك الانتفاشة، صوت قحطان وحده كان جيشا قويا يزلزل اركان الانتفاشه ويكاد يطفئها، غادر الرئيس الى عدن وبقيت الجمهورية ببقاء قحطان في أحياء العاصمة.
لم يكن غياب المعلم الحاذق والسياسي البارع غياب للجمهورية فقط، بل لقد غابت معه السياسة، كان قحطان يمتلك نظرة ثاقبة، يقلب الأمر في رأسه بصمت لبرهة ثم يتحدث بثقة ودهاء عن انفراجة قريبة، كان يخلق من القضية الشائكة حلا، يختار زاوية للحديث لا يملك الخصوم الا التسليم بضرورة إعادة الحوار من جديد.
لم يغلق باب الحوار وقحطان بيننا، زاحم صلصلة جنازير الدبابات وطغى صوته فوق لعلعة الرصاص، ووقف بعزة وشموخ ورفع صوته بضرورة تحكيم العقل والتمسك بالحلول السلمية حتى لا يموت وطننا فلن ينفعها حينها الندم، غير أنهم اخفوا قحطان، أرادوا أن ينجحوا في انقلابهم، فارتدت السهام عليهم وباتوا هم في حصار كبير.
قحطان يا أبانا، يا وهج جمهورنا وروح جمهوريتنا، يا حزبنا ودولتنا وكياننا المغيب، يا بطلنا الذي أنقذنا وضحى بكل شيء من اجلنا، السلام عليك في كل حين، كل عام وأنت ملهمنا وإمامنا العظيم..
كل عام وأنت رائد الحرية وإمام المناضلين..
ستعود أنت وحينها ستشرق الجمهورية من جديد، سنغني يوم عودتك كما غنى الزبيري من قبل
يوم من الدهر لم تصنع اشعته، شمس الضحى بل صنعناه (بقحطانا).
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
ماذا فعلت حماس؟
حينما يغسل "الطوفان" ندمك!
سووا صفوفكم.. إنه سبتمبر المجيد!