الدم اليمني الذي يسفك على أي نحو كان لا بد أنه يوجع كل يمني ويؤلمه . يوجع الروح قبل الجسد، كل دم ينزف هو من جسمنا نحن اليمنيين . هذا الجسم الذي يتهالك مع كل دورة دم، وما أكثر هذه الدورات التي وضعت اليمن على خارطة تراجيديا عبثية.
المتسببون في سفك هذا الدم هم وحدهم من يتحمل مسئوليته، وهم سبب هذا البلاء لا شيء يفسر ذلك سوى أن هناك من تسببوا في شق مسارب الدم تلك ليبحروا من خلالها إلى كرسي الحكم والسلطة.
قبح الله السلطة وقبح كراسي الحكم التي حولت دماء اليمنيين إلى وسيلة للوصول إليها أو التمسك بها، كانت الوحدة خطاً فاصلاً بين زمنين، كان الأول منهما يعني المواجهات والصراع وعدم الاستقرار، وكان الثاني يبشر بِآمال تنقل اليمن إلى عهد من التنمية والسلام والازدهار
لكن الغرور والعنجهية وحب التسلط رحل قبح الزمن القديم إلى قلب الزمن الجديد، واغتالوا ماجد مرشد ظلماً وعدواناً بإعلان مبكّر، وتدشين سريع ، لقتل الأمل عند اليمنيين بعهد جديد من السلام والاستقرار والبناء .
بدأت منذئذ رحلة الدم وأوجاعها لتستولد القبح بكل صوره، ومعها الحروب والغدر والتحالفات غير المبدئية ونهب الثروات والفساد، حتى أنهك اليمن واليمنيون، وتشكلت على إثر ذلك دوافع شعبية قوية في صورة هبات وثورات سلمية لتستعيد المبادرة.
وفعلاً تم استعادة المبادرة لتضع اليمن من جديد بين زمنين، الأول الذي تحكمت فيه نخب الفساد والاستبداد ونهب ثروات البلاد والاغتيالات وقمع الدولة باصطفاء النموذج النخبوي الفاسد في الحكم والتسلط ، والثاني العهد الذي انخرط فيه الجميع في حوار وطني شامل لوضع عقد اجتماعي جديد لبناء اليمن ودولته المدنية ، ومعالجة كل القضايا التي راكمها زمن الاستبداد والفساد بأسلوب يعتمد الارادة الشعبية وحقها في تقرير اختياراتها السياسية .
ولكن ومن جديد يتدخل حراس الموروث الدموي التسلطي ممن يعتقدون أن اليمن صار ضيعة لهم ولأبنائهم وذويهم، واستعادوا تحالفات الأزمان التي كان كرس فيها اليمن الى مستويين أحدهما سلطة وهيمنة، والثاني أراض موطوءة ورعية.
إستولدوا من تاريخ الهيمنة نموذجاً لأيديولوجيا تسلطية تحلقوا حولها لحمايتها بالقوة.. فانقلبوا على التوافق السياسي واستولوا على الدولة، وتواصلت رحلة الدم في أقبح وأنذل صورها، ما الذي يستطيع أن يقوله اليوم الذين يقتتلون في صنعاء بعد أن خربوا حلم اليمنيين ببناء يمن جديد يسوده السلام والاستقرار ويكون فيه القرار لأبنائه لا للنخب التي أدمت جسم اليمن وأنهكته وأفسدت كل فرص بنائه.
ألا يعني لهم شيئاً هذا الصراع الدموي؟ ألا يفسر ذلك أن من يسير في طريق الدم يغرق في النهر الذي تتكون منه ينابيعه ، وأن من يرقص على رؤوس الثعابين لا يسلم من أنيابها، وأن التأليه في السياسة مشروع دموي فاسد . لقد أغرقوا اليمن في برك الدم بانقلابهم على التوافق الوطني، فهل آن الأوان أن يدركوا حقيقة أن هذا التحالف المغشوش وأيديولوجيته المعجونة بالدم و بغثاء الماضي لن يكون مؤهلاً إلا لتدمير اليمن كما تدلل التجربة حتى الآن.
إن هذا الحال لا يعفي الشرعية والتحالف من مسئوليتهما في مغادرة حالة التربص والإسراع بوضع وتنفيذ إستراتيجية واضحة لإنقاذ البلاد تقوم على إدراك مستلزمات تطوير المواجهة ميدانياً وعلى كافة الأصعدة، بما في ذلك الإدارة الناجحة للمناطق المحررة ومغادرة الأوضاع التي تضع قوى الشرعية في دوائر مغلقة من الحسابات المشوشة.
إن ما يجري يجب أن يشكل صدمة إفاقة لكل اليمنيين مما هم فيه من تمادي وهذيان، ولا بد من أن نخجل عندما نرمي بمشاكلنا على الآخرين ونحملهم المسئولية . العيب فينا، يجب أن نستأصل هذا العيب الذي غدا خبيثاً لدرجة لم نعد نميز معه مسئوليتنا تجاه الوطن الذي لا مكان لنا غيره للعيش باحترام، ولا مكان سواه نستطيع أن نسلم فيها الروح إلى بارئها باطمئنان وسلام.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
لا تراجع.. بل المزيد من فرض قيم وسيادة الدولة
البنك المركزي اليمني.. وقرار توسيع وترشيد المعركة
هل تعلمنا من الدرس؟!