حينما تجبرك الضرورة على السفر لدواعي طارئة مختلفة الى العاصمة المؤقتة عدن، عليك أن تجبر نفسك على الصبر والتحمل وان تكون قادراً على تحمل كل ما تشاهده إجبارياً، فالإهانة سلوك روتيني - لاسيما - إن كنت من مناطق تابعة لمحافظات شمال اليمن وقصدك الوصول إلى أخرى في جنوبه يعتقد البعض من سكانها الجغرافيا وسيله للتحرر والتنمية.
تفاصيل قصتي التي ذهبت فيها مضطراً إلى العاصمة المؤقتة عدن ليس للنزهة وقضاء الإجازة فالحرب لم تبقى مكان للراحة والاستمتاع فيه كما أن ظهور حواجز الفحص والبحث عن الهوية في مناطق جنوب اليمن أمر آخر، كنت مرافقا لشخص مريض ينوي عمل أشعه مغناطيسية، لم أكن أتوقع أن أجد كل هذه الخطوط الوهمية والجداران العنصرية أمامنا في خيارين لا ثالث لهما: العودة لمريس أو دخول عدن ووضع البطاقة في نقطه الحبيلين حتى عودتي فخضعت للأمر الثاني حرصاً على عمل الأشعة للمريض.
قبل وصولي نقطه الحبيلين حدثني احد الركاب ان هناك ثلاث نقاط تتولى مهمة البحث عن الهوية والفحص العنصري على خط (الضالع - لحج - عدن) هي ( نقطه الجبلين، نقطه الحبيلين، نقطه الحسيني ) وهو فعلا ما وجدته وكان نصيبي المشئوم مع نقطه الحبيلين فبعد إنزالي من الباص حاولت إقناع قائد النقطة كوننا مجبرين للنزول لعدن حيث أصبحنا مطلوبين للميليشيات الانقلابية، إذا أردنا السفر لصنعاء او اب او ذمار للعلاج رد قائد النقطة : "لا تناقشني ولا شأن لنا في ذلك عد من هنا إلى مريس".
جلست قليلاً وعدت من جديد للحوار معه متحملاً كل ما غضبه، فجاءه شاهدنا مندوب مؤسسه النقيب بالضالع والذي اعرفه من قبل ، تدخل وأصر على قائد النقطة وبعدها على دخولنا تحت شرط وضع بطاقتي الشخصية حتى العودة والسماح لنا بالعبور لعدن، الملفت بالأمر أن النقطة تقع على مقربه من منزل القائد العسكري البارز اللواء ثابت جواس كما اخبرني سائق الباص.
وحتى مصادفه سفري إلى عدن يوم 8 أغسطس وتحرير كثير من مناطق الضالع لم يشفع لنا أن نحظى بشيء من الاحترام .
كان على متن الباص الذي يقوده شاب من مديريه الحصين كنا 13 راكب وصلنا عدن 8 ركاب فقط والبقية تم إنزالهم بالحبيلين (أربعه منهم من زبيد كانوا في طريقهم إلى الحوطه والخامس من مديريه الحشاء والذي تم التهجم عليه من قبل احد الجنود بشكل استفزازي وتم سحبه ممن كتفه بالقوة وإخراجه من الباص).
عبارة ألمتني كثيراً من احد الجنود حينما خاطبني بوجه مشبع بالعنصرية في الحبيلين قائلا "وانتم ما معا كم هنا يا أصحاب قعطبه "حين عرف لهجتي أثناء حديثي معه أني من مريس، في قانون الجنود زلة لسان في إظهار لهجتك قد تقودك للاحتجاز والسجن وسط هذا العالم الممتلئ بالعبث والفوضى.
لقد بقيت أفكر وأنا اسمع كل ذلك الخراف من العنصرية والكراهية كيف استوطنت قلوب كل هذا الغثاء؟ ومن يتحمل المسؤولية في تغذيتها؟ نحن أمام ناس يحملون أخطاء وفساد رجال معدودين فوق كل أبناء الشمال شعباً وثقافة وعادات ونادراً ما يرمون من كان السبب نظاماً أو عصابة أو مليشيات، لماذا لا ادري؟.
بالمدخل الجنوبي للضالع أثناء عودتنا من عدن توجد أكوام من القمامة، قال أحدهم بنبرة مناطقية "أن هذا الركام سببه الشماليين" فقلت متمتماً: لقد زادت الغرائب والعجائب فيهم، أتساءل ماذا ستكون نتيجة كل هذا الاحتقان والكراهية العمياء؟ ماذا تستفيد الجهات أو الأطراف التي تغذي مثل هذه الثقافات في بلد مشبع بالسلاليين والمناطقيين فضلا عن الفقر والجهل والبطالة؟
وصلت عدن العاصمة المؤقتة وقت الظهيرة بعد 7 ساعات من خروجي من المنزل ، عدن التي عايشت فيها كثيراً مما قاله محافظها المفحلي ولم أرى شيئاً مما شاهدته قبل الوصول إليها على الطريق، هناك مجتمع متعايش بل طيب مسالم مستعد للمشي معك مسافات بعيده إذا أردت البحث عن مكان ما.
ذلك هو فيض من غيض وواحدة من بين عشرات قصص المعاناة، فقد تكون هذه القصة أقل قساوة لكنها كشفت كثراً من صور المعاناة، قد لا أجد في نفسي النية بالسفر إلى عدن مرة أخرى اليوم لكن حلمي وأملي أن لا أجد مثل هذا السلوكيات والتصرفات مستقبلاً.
اقراء أيضاً
منظمات خارج نطاق التغطية